728x90 شفرة ادسنس

الأربعاء، 15 أبريل 2015

قضية المرأة بين بنكيران وخصومه - محمد الساسي




معارضو بنكيران يبحثون عن الصيغ الملائمة لتنظيم أنفسهم وتكتيل جهودهم لخوض معارك، ضد الرجل، وهزمه فيها. وفي إطار البحث عن ثغرة يمكن أن يخترقوا من خلالها قلعة خصمهم، توصلوا إلى أن قضية المرأة تمثل نقطة الضعف الأساسية بالنسبة إلى حزب محافظ كحزب رئيس الحكومة؛ وقرروا جعل موضوع التقاعس المفترض للحكومة، في القيام بواجباتها إزاء القضية، محور الهجوم السياسي لهؤلاء المعارضين، ونظموا مسيرة 8 مارس 2015 بالرباط التي شارك فيها الآلاف من المواطنات والمواطنين. هذا كله مشروع، سياسياً؛ ولكننا نريد التوقف هنا، عند سؤالين، الأول منهما متعلق بمدى قوة الأساس المعتمد عليه في بناء الهجوم؛ والثاني متعلق بدلالة المسيرة على مستوى تطور الاصطفافات السياسية، اليوم، في المغرب.


المسيرة الأخيرة دعا إليها الائتلاف من أجل المساواة والديمقراطية الذي تَمَّ تشكيله من طرف أحزاب المعارضة (حزب الاستقلال – الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية –حزب الأصالة والمعاصرة - الاتحاد الدستوري) والذي يضم قطاعات نسائية حزبية ومنظمات مدنية. وعندما نعود، قصد المقارنة، إلى يوم 12 مارس 2000، نلاحظ :

- أنه عرف مسيرتين، واحدة في الرباط لمؤيدي خطة إدماج المرأة في التنمية؛ والثانية في البيضاء لمعارضي الخطة، وكانت مسيرة البيضاء الأكبر عدداً؛

- أن اليسار كان في الحكومة والإسلاميون كلهم في المعارضة؛ أما اليوم فإن فصيلاً من الإسلاميين يوجد في الحكومة؛

- أن حزب الأصالة والمعاصرة لم يكن قد تأسس بعد، ولكن فكرة التحالف مع "الأجنحة المتنورة" داخل النظام لمواجهة الخطر الأصولي، كانت قد بدأت تغري جزءاً من النخب الديمقراطية؛

- أن حزب الاستقلال كان منقسما على نفسه، بخصوص الموقف من الخطة؛ ولكنه اليوم يبدي، كله، حماساً غير مألوف للدفاع عن قضية المرأة ولإنجاح المسيرة التي اعتبرتها جريدة العلم "مليونية".

طبعاً، رد بعض الأوساط من حزب العدالة والتنمية بأن مسيرة 8 مارس 2015 "سياسية" يبدو غريباً وبلا معنى، لأن الداعين إليها لم يخفوا الطبيعة السياسية لمبادرتهم، وليس في الأمر أي خروج عن مقتضيات الصراع السياسي، ولقد تجلى ذلك في الشعارات المطالبة برحيل بنكيران وبسقوط الحكومة والتي رُفعت، في المسيرة، وجعلت التغطيات الصحفية تعتبر أن "الكل" في المسيرة كان ضد بنكيران، وان شعار " يا ظلامي ياجبان ...المرأة لا تُهان" وحَّدَ جميع المشاركين، تقريباً.

الحزب، الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة، معروف بمواقفه المحافظة في قضية المرأة، فهو ضد المساواة، بالمعنى المتعارف عليه كونياً؛ وفي أحسن الأحوال، يكتفي بتبني ما يسميه بـ "المساواة التكاملية"، إذ لا بد للأسرة، مثلاً، من رئيس، وهو الرجل، لكن بشرط أن يمارس تلك الرئاسة بما يتوافق مع واجب تكريم المرأة والإحسان إليها ورعايتها. ولكن، هل من حقنا أن نعتبر أن بنكيران أحدث انقلابا في مسار السياسات العمومية المتعلقة بالمرأة وعاد بنا إلى الوراء وأجهز على المكتسبات وانتصر، في برامجه وقراراته، لخلفيته المحافظة؟

ينطلق خطاب مسيرة 8 مارس 2015 من فرضية مؤداها أن دستور 2011 منح المرأة المغربية كل شيء وحل كل مشاكلها، وأن السياسة الحكومية حرمتها من كل شيء وجردتها من كل المكاسب، وبالتالي فإن المسيرة هي جزء من معركة تنزيل فصول الدستور، ولاسيما الفصل 19، وهي احتجاج مشروع على التنكر لواجب ترجمة المقتضيات الدستورية إلى إجراءات عملية وقوانين وسياسات عمومية، وهي حركة رفض لمسودة مشروع القانون التنظيمي الخاص بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.

والواقع أن المشكلة الأساسية التي كان يجب أن يعالجها الفصل 19 هي تمتع المشرع العادي بصلاحية تحديد مناط المساواة بين الرجل والمرأة بما يطابق "خصوصيتنا"؛ وهذه الصلاحية ظلت مستمرة وكرسها الدستور الحالي بصريح العبارة. لكن إحداث مؤسسة دستورية للمناصفة هو، بكل تأكيد، مستجد إيجابي، والتأخر في إعداد مشروع القانون التنظيمي الخاص بها هو سلوك مُنْتَقَدٌ، على كل حال. ومع ذلك، فإن هذا التأخر لم يمس، بالضبط، هذا القانون التنظيمي، وحده، ولا يمكن إرجاعه، بالضرورة، إلى الموقف المحافظ لرئاسة الحكومة الحالية من قضية المرأة، وليس هناك هجوم حكومي خاص على مكتسبات النساء أو مبادرات رامية إلى الالتفاف على حقوقهن وإهدارها. والمشاكل الكبرى التي تعيشها المغربيات (ضعف تأنيث الشغل – الحرب على المدونة –زواج القاصرات –التحايل على قيود التعدد – ضعف تمثيلية النساء في المناصب العليا ومراكز القرار –الشبكات العاملة في تجارة الرقيق الأبيض – العنف والتحرش – تشغيل الطفلات في المساعدة المنزلية... إلخ) لم تتسبب فيها الحكومة الحالية، بل ورثتها عن سابقاتها أو تسببت فيها جهات أخرى. صحيح أن الحكومة لم تبذل أي جهد استثنائي خاص لتجاوز الواقع الحالي، باختلالاته ومشاكله المزمنة، ولكنها، بالمقابل، لم تقترف خطأ قاتلاً في تعاملها مع قضية المرأة يبرر اللجوء إلى المطالبة، رأسا، برحيلها. تبقى الأقوال التي فاه بها بنكيران، في هذه المناسبة أو تلك، والتي قد تُفَسَّرُ على أنها تحقير للمرأة أو نيل من كرامتها. وهنا، قد يستفيد الرجل من البراءة لفائدة الشك، مادامت صيغة تلك الأقوال، نفسها، والتوضيحات أو التصحيحات التي صدرت عنه أو عن المقربين منه، بعد ذلك، لا تسمح بالخلوص إلى استنتاج قطعي حول دلالاتها.

الخروج في مسيرات حاشدة، بمناسبة 8 مارس، للتذكير بمطالب المرأة المغربية والضغط من أجل تحسين مجمل أوضاعها هو أمر محمود؛ ولكن المطالبة بإسقاط الحكومة، بسبب مواقفها من قضية المرأة، تفتقد، ربما، إلى حد الساعة، أساساً صلبا.

هذا، ويلاحظ أن الرابح الأكبر من المسيرة الأخيرة هو حزب الأصالة والمعاصرة الذي قطع، بواسطتها، شوطاً جديداً ونوعياً في استكمال مشروع تطبيع علاقته ببقية الأحزاب وبالشارع. يمكن القول، اليوم، إننا نشارف مرحلة انتهاء ما سمي، سابقاً، بـ "الصف الوطني الديمقراطي"، إذ نجح الحزب، المشار إليه، في استثمار قضية المرأة لبناء جبهة معارضة لبنكيران وتوسيع هذه الجبهة، والرقي بمستوى علاقاته بالأحزاب "الديمقراطية" إلى درجة التعاون "الميداني" في الشارع.

كان الحسن الثاني، بعد سقوط جدار برلين، قد وضع نصب عينيه الوصول إلى أهداف ثلاثة : حكومة تناوب، خلق شبه إجماع على الدستور، وتطبيع العلاقات بين جميع الأحزاب. ويرمي الهدف الثالث إلى طي مرحلة التمييز بين صف "الأحزاب الوطنية الديمقراطية" وصف "الأحزاب الإدارية".

وقد مر تطبيع العلاقة، بين الصفين المشار إليهما، من عدة مراحل، إذ صدر موقف المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي القاضي بتزكية التحالف مع الأحزاب الإدارية في تشكيل مكاتب الجماعات المنبثقة عن انتخابات 1997، ثم جاءت التركيبة المخضرمة لحكومة التناوب، ثم قام التنسيق الرسمي بين المكونات الأربعة للمعارضة النيابية، ثم جرى الانتقال، أخيرا، إلى مرحلة التعاون في تنظيم مسيرة 8 مارس.

نحن، اليوم، في طور ترسيم التغيرات الحاصلة في الاصطفافات السياسية. أصبحت هناك قناعة، لدى البعض، بأن الاتحاديين والاستقلاليين والدستوريين وأعضاء حزب الأصالة والمعاصرة يمكن أن توحدهم، جميعاً، بدون مشاكل أو صعوبات، المعركة ضد بنكيران، كما لو أن بدائلهم جميعا تلتقي حول قاسم ديمقراطي مشترك.

كان مبرر القطيعة بين الأحزاب الديمقراطية والأحزاب الإدارية، في الماضي، يقوم على افتقاد هذه الأخيرة الاستقلالية واعتمادها وسائل لانظامية، خاصة في الحقل الانتخابي، وقيل إن التنسيقالحكومي والتنسيق النيابي فرضتهما فرضا نتائج الانتخابات؛ لكن العبور، حالياً، إلى التنسيق "النضالي" في الشارع يعني إما أن الأحزاب الإدارية أصبحت مستقلة ووسائلها نظامية أو أن الأحزاب الديمقراطية فقدت استقلاليتها وغدت، هي الأخرى، تستعمل وسائل لانظامية !

وكيفما كان الحال، فمن حقنا كذلك أن نتساءل : هل هناك، يا ترى، نقطة ضعف حقيقية للتجربة البنكيرانية، تفادت الأحزاب، المشاركة في مسيرة 8 مارس، إثارتها، لأنها تمثل نقطة ضعفها هي أيضاً؟

جريدة "المساء"

19 مارس 2015

العدد 2634 الصفحة 09
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

0 commentaires:

إرسال تعليق

Item Reviewed: قضية المرأة بين بنكيران وخصومه - محمد الساسي Rating: 5 Reviewed By: Unknown
Scroll to Top