" تاريخ اليسار
بالمغرب هو تاريخ انشقاقاته" جملة لطالما استوقفتني و أنا أتتبع مسار
التحولات السياسية في المغرب منذ الستينات فهل هو قدر اليسار أم إن تحولات الراهن
السياسي قادرة على تحويل العبارة إلى" مستقبل اليسار في وحدته"؟.
مناسبة هذا الكلام هو الإعلان عن"
فيدرالية اليسار الديمقراطي" والتي تضم من بين أطرافها حزبا (الاشتراكي
الموحد) هو نفسه تجميع لفصائل من اليسار في بداية الألفية الحالية.
فهل يستطيع اليسار تجاوز أزمته بدون إعمال
نقد ذاتي حقيقي خصوصا في ظل تراكم تحديات كبرى عليه مواجهتها بشكل متوازي؟.
1- تحدي مواجهة
الاستبداد و التحكم السياسي والانتصار للديمقراطية
إن مهمة اليسار الديمقراطي الأولى هي النضال
من اجل المساواة والعدالة الاجتماعية ولكن تحقيق هذه المهمة رهين ببناء نظام
ديمقراطي يضمن قواعد سليمة للتنافس النزيه
بين مختلف التيارات السياسية وهو ما يضع اليسار أمام تحدي مواجهة مختلف أشكال
الاستبداد و التحكم السياسي والتي نتج
عنها في المغرب قتل السياسة بمعناها النبيل وتحويلها مع توالى الأيام إلى مجرد
تبادل للمصالح والمنافع بين نخب "مترهلة" نتج عنه فقدان تام للثقة بين
المواطن وشيء اسمه "السياسة".
إن اليسار الديمقراطي ليكون جديرا باسمه
مطالب وهو يناضل من اجل بناء الديمقراطية وإعادة الثقة للمواطن المغربي في السياسة
أن يكون مجسدا للديمقراطية في سلوكه السياسي وممارسته في مختلف آلياته التنظيمية
وداخل مختلف بنيات المجتمع( من جمعيات ونقابات وجماعات ترابية...)
إذن فاليسار عليه أن ينتصر
للديمقراطية مهما كانت الظروف لان نشر ثقافة الديمقراطية والحق في الاختلاف في
المجتمع هو جزء من مشروع تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة.
واعتقد انه من الضروري الاستمرار في النضال من
اجل إقرار دستور ديمقراطي نابع من توافق مجتمعي عام يؤسس لقواعد ممارسة سياسية
بديلة يقطع مع " السلطوية" كما هي الحاجة ملحة للنضال من اجل هيئة
مستقلة تشرف على ضمان نزاهة عملية الانتخاب والاستفتاء خارج هيمنة"سلطة
الداخلية.
وهذا يتطلب عملا في العمق وقدرة على الإبداع
في طرق تعبئة المواطنات والمواطنين وإشراكهم في سيرورة بناء الديمقراطية كفاعلين
أساسيين وليس فقط كمستهلكين من خلال القدرة على استيعاب التجارب المختلفة للفاعلين
المدنيين و الجمعويين اليساريين ضمن إطار سياسي منفتح.
-تحدي مواجهة المد المحافظ في المجتمع2
إن اليسار
بطبعه تقدمي ينحو نحو التغيير مناقض للجمود ومعادي لكل أشكال النكوص والماضوية.
و إن تبني آلية التوافق والإيمان بالحق في الاختلاف
ومناهضة الإقصاء لا يمنع اليسار من نهج مقاربة فكرية وثقافية قادرة على مواجهة
المد المحافظ الذي يخترق المجتمع والذي يسعى إلى الهيمنة عليه متوسلا بالمقدس
المشترك بيننا. وهنا من الضروري النضال من اجل دولة مدنية تقر فصلا واضحا بين مجال
السلطة الدينية ومجال السلطة السياسية.
و لن يتأتى هذا
إلا عبر إعادة الاعتبار للعمل الثقافي ضمن منظومة المشروع السياسي لليسار ومواجهة
كل أشكال التنميط الفكري و بالتالي فتح جبهة للصراع الفكري والثقافي لتكريس قيم
الحداثة والمواطنة.
و يحتل النهوض بالمنظومة التعليمية حجر الأساس لأي ثورة
ثقافية لإعادة صياغة المشروع المجتمعي لليسار فالتفكير غي إنقاذ المدرسة والجامعةالعموميتين من الانهيار
يحب أن يكون مهمة مركزية في جدول أعمال اليسار المغربي اليوم.
- تحدي بناء برنامج بديل لإنقاذ الوطن3
يجب إن نعترف أن اليسار
يواجه تحديا آخر بأهمية كبرى وهو القدرة على خلق انسجام بين المبدأ والوسيلة
والغاية لتقديم بديل اقتصادي بحمولة اجتماعية قادر على تجاوز وضعية الأزمة والانتقال
بالوطن إلى وضعية التقدم في صنع مستقبل أفضل لبنات وأبناء هذا الوطن.
هل اليسار بالمغرب
يملك اليوم إجابات بعمق اجتماعي ونفس يساري على قضايا مثل التعليم والصحة و
التقاعد و المقاصة والبرامج الاقتصادية المختلفة في الفلاحة والسياحة والصناعة والخدمات
والطاقة... ؟
اعتقد أن هناك حاجة ملحة اليوم لمؤسسة
"يسارية" للدراسات والأبحاث حول الاقتصاد والمجتمع تضم خبراء في السياسة
والاقتصاد والاجتماع والتربية و... على شكل مجموعات تفكير متخصصة تبلور تصورات
ومشاريع حول مختلف القضايا وتكون قادرة على استثمار مختلف الخبرات اليسارية في
اتجاه تقديم بدائل واقعية لما يطرحه البنك الدولي كمعالجة لما يعيشه الوطن من أزمات.
فالوطن في حاجة إلى
يسار مكافح قادر على المزاوجة بين النضال الجماهيري والنضال المؤسساتي و يستطيع
مناضلوه تجاوز كل اكراهات الذات ومخلفات الماضي والانفتاح على المستقبل من اجل
الوطن أولا.
0 commentaires:
إرسال تعليق