ولد شهيد الثورة والنقابة المناضل عيسات إيدير أول سكرتيرعام للاتحاد.ع.ع.ج
بمنطقة جمعة صهاريج بولاي ةتيزي وزو بتاريخ 11 جوان 1915. انتقل إلى مدينة
تيزي وزو لمزاولة دراسته الثانوية بعد أن استكمل دراسته الإبتدائية وتحصله
على منحة مدرسية بعد أن نجح في مسابقة في هذا الشأن.
لم يتمكن الشاب
عيسات إيدير من الالتحاق بالمدرسة الوطنية لتكوين الأساتذة لأسباب قاهرة
رغم التفوق المدرسي والتحصيل العلمي الذي كان يتميز به، ويقر به جميع من
كانوا يرافقونه في الدراسة، فالتحق بـالأراضي التونسية أين كان يقيم عمه
الذي مكنه من مواصلة دراسته هناك والتحضير لدخول الجامعة التونسية بغية
تحضير إجازة في الحقوق والعلوم الاقتصادية.
أستدعي عيسات إيدير من طرف
السلطة العسكرية الفرنسية لتأدية الخدمة العسكرية، وبعد الانتهاء منها
والحصول على رتبة رقيب في الاحتياط الأمرالذي عكس تفوقه المعرفي، رجع إلى
الجزائر ليشارك بنجاح في المسابقة التي نظمتها مصلحة الورشات الصناعية
الجوية بكاف متيفو (برج البحري) وهي المسابقة التي نجح فيها والتحق بهذه
الورشات إلى غاية أن جند مرة ثانية في الحرب العالمية الثانية وقد كانت من
الصدف أن يؤدي عيسات إيدير طواال فترة هذا التجنيد في تونس.
بعد أن وضعت
الحرب العالمية الثانية أوزا رها سرح عيسات إيدير من الخدمة العسكرية
الإجبارية برتبة رقيب أول، فالتحق بوظيفته الأصلية بالورشات الصناعية
الجوية أين تطورت وظائفه إلى غاية أن وصل إلى رتبة إطار سامي في المحاسبة
وهذا بعد عشر سنوات من الحياة المهنية على مستوى هذه الورشات. مكنته هذه
الوظيفة السامية والثقة التي كان يحوز عليها من قبل المجموعة العمالية
الجزائرية التي كانت تشتغل بهذه الورشات من كسب ثقة الجميع والترقية إلى أن
كلف بمراقبة فروع المؤسسة الموجودة في كل من الجزائر وتونس الأمر الذي فتح
له مجال التعارف والالتقاء بالأطر النقابية التونسية و العديد من قيادات
الحركة النقابية التونسية.
وبعد مطالبة الشعب الجزائري برمته الحرية
والاستقلال وحق تقريرالمصيرعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وما أعقبها
من حوادث دامية في 8 ماي 1945، بعد أن حقق الوطنيون نجاحات انتخابية وتزايد
اتساع حجم ومكان حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية،
ردت السلطات الاستعمارية على مطامح الشعب الجزائري بالمزيد من القمع وإظهار
مظاهر القلق والخوف تجاه المطامح المشروعة للشعب الجزائري.
وكم كانت
السلطات الإدارية والسياسية الاستعمارية تتابع تحركات عيسات إيدير الذي بدأ
يظهر الكثير من خصال الزعامة، ورفض الأمر الاستعماري وطرح تساؤلات تحرج
النظام الكولونيالي المبني على تفوق العنصرالأوروبي على كل ما هو جزائري
أصيل وجدت الإدارة الاستعمارية في الإضراب الذي قام به المناضل النقابي
عيسات إيدير ذريعة تكفي لإدانته وتسريحه من العمل بحجة عرقلة العمل وزرع
البلبلة في الورشات.
غير أن التضامن بين النقابيين قد مكنه من تجاوز هذا
العزل الوظيفي الاستعماري ليلتحق فيما بعد بمؤسسة "CACOBATP" كرئيس مصلحة
وينخرط مجددا في الكنفدرالية العامة للشغل على مستوى المؤسسة.
أولى
عيسات إيدير اهتماماته بأداء وسير التنظيم النقابي وطور الخطاب النقابي
المستعمل وكيفه وانشغالات الأكثر حرمانا واحتياجا من العمال والمستضعفين.
أستدعي
عيسات إيدير من طرف هيئة تحرير "الأمة الجزائرية" السرية والتابعة لحزب
الشعب الجزائري وقد كلف بركن "البروليتري الجزائري" كما ساهم بقسط وافر في
"الجزائر الحرة". واثناء الأزمة الداخلية التي مست الحركة الوطنية، كان
مناهضا لمخاطر الإنقسام المهدد لوحة الحزب.
دخل معركة الكفاح بقيادة
جبهة وجيش التحرير الوطني وكان عمره لا يتجاوز 38 سنة، ناهيك عن خصال
الاستقامة والوفاء والتمتع بالسلوك النضالي النظيف الذي يفتح له المجال
واسعا في صفوف الثورة.
تجسدت الآمال التي كانت ترواد عيسات إيدير
وزملائه منذ أزيد من عشرية كاملة من النضال السري والعلني بالإعلان عن
تأسيس الاتحاد.ع.ع.ج وبروز قيادات نضالية تسهم في تحرير الوطن، وتشارك في
أشغال البناء، بعد الحصول على الاستقلال، وذلك من أجل بناء مجتمع تضامني
ونام ومتقدم.
من خصال وتكوين هذا الرجل أنه كان يريد أن يعرف كل شيء،
وأن يكون متابعا دقيقا للأحداث والمراسلات وتحرير العرائض والنداءات
والبيانات والمقالات، كما كان حريصا على متابعة تحضيرالمادة الإعلامية
والإخراج وكل ما يفرضه إصدار جريدة "العامل الجزائري"، بالإضافة إلى ضبط
شعار الاتحاد.ع.ع.ج وتحضير بطاقات الانخراط والطابع النقابي وسعرالعدد ،
ناهيك عن التدقيق في المراسلات التي يتم توجيهها إلى الاتحاد الدولي
للنقابات الحرة.
وكنتيجة لهذا الزخم الكفاحي الذي كرسه المناضل عيسات
إيدير في الحركة العمالية الجزائرية، جاءت الإضرابات الوطنية لتؤكد دون شك
وبكل وضوح التزام وانخراط الاتحاد.ع.ع.ج مع جبهة و جيش التحرير الوطني منذ
اندلاع الثورة.
لم تتوان السلطات الاستعمارية في قمع قيادة المركزية
النقابية و الزج بأطرها و مناضليها القاعديين في السجون ، و قد شمل القمع
الاستعماري القيادات النقابية للمركزية النقابية ليلة 24 ماي 1956، حيث
ألقت السلطات الإدارية بدعم من الجيش والشرطة ورجال المباحث الفرنسيين
القبض على أعضاء الأمانة الوطنية للاتحاد.ع.ع.ج يتقدمهم المناضل عيسات
إيدير. بلغ عدد الموقوفين الذين زج بهم في أتون الاستنطاق والتحقيق
والتعذيب النفسي والجسدي حوالي (40) مناضلا نقابيا قياديا تم توجيههم بعد
فترة التحقيق نحو المحتشدات والمعتقلات لمدد طويلة.
إن القمع الشديد
الذي سلط على قيادة الاتحاد.ع.ع.ج لم يحل دون تواصل المشعل النقابي وتحمل
المسئولية، بعد تاريخ 24 ماي 1956 ومواصلة المشوار الكفاحي ضد الاستعمار
بشتى الوسائل المتاحة.
الحقيقة أن تشديد القمع وتواصل الاعتقالات دون
توقف دفع بالمناضلين النقابيين على مستوى المنظمة إلى أن يختاروا العمل
السري والإنصهار التام في جبهة التحرير الوطني.
الجدير بالذكرأن العدد
الأول من جريدة "العامل الجزائري" صدر عن مطبعة" نلسن " الكائنة بالقرب من
سينما ماجستيك" حاليا "سينما الأطلس". وبالرغم من القمع والمتابعة
البوليسية والمصادرات المتتالية للجريدة، تمكنت المنظمة النقابية من إصدار
(13) عددا في الداخل وحتى الخارج، وكبرهان على مواصلة الكفاح النقابي،
نصبت القيادة النقابية الجديدة التي أعقبت القبض على القيادة التي كانت
برئاسة عيسات إيديرإلا أن السلطات الاستعمارية لم تمهلها طويلا، بل قامت
بتفكيكها بتاريخ 30 جوان 1956 إثر الإنفجار الكبير الذي دمر مقر القيادة
نتيجة عبوة ناسفة وضعتها السلطة الاستعمارية مستهدفة القيادات النقابية.
دفع
هذا الجو المعادي والمتواصل ضد الاتحاد.ع.ع,ج إلى اعتماد و تفضيل العمل
السري والانتقال إلى تونس لمواصلة كفاحه وإصدار "العامل الجزائري".. ومن
تونس تعاقبت العديد من القيادات النقابية، ومن جهته، مكن مؤتمر الصومام
المنظم في 20 أوت 1956 من تأسيس هياكل لكل من جيش التحرير الوطني واللجنة
الوطنية للثورة الجزائرية و CCE.
عين المناضل النقابي عيسات إيدير ،
بآسم مستعار، كعضو دائم في اللجنة الوطنية للثورة الجزائرية، في حين عين
السيد بن عيسى عطاء الله كعضو إضافي، و قد أثير موضوع تهريب المناضل عيسات
إيدير من معتقل "بوسي" من طرف أعضاء لجنة التنسيق والمتابعة، حتى تستفيد
الثورة من قيادته للاتحاد.ع.ع.ج خاصة بعد أن انخرطت المنظمة في الاتحاد
الدولي للنقابات الحرة ومقرهبروكسل العاصمة البلجيكية. تم إلغاء مشروع
تهريب عيسات إيدير من المعتقل، بعد أن اشتدت معركة الجزائر وتزايد
الاعتقالات والزج بمئات الآلاف من الجزائريين في المحتشدات، ناهيك عن
عمليات الاستنطاق الذي مارسه المضليون بقيادة السفاج الجنرال" ماسو".
علم الجيش الاستعماري بخير عضوية المناضل عيسات إيدير في اللجنة الوطنية
للثورة الجزائرية، فقام باستنطاقه في محتشد" بوسي" وفي المركزالتابع
للمباحث بوهران، قبل أن يحول إلى وحدة عسكرية تابعة للمضليين بقيادة العقيد
" بيجار" . بعد أن أعيد إلى محتشد"بوسي" وتنظيم المعتقلين لحركة احتجاجية
ضد الأوضاع المزرية للاعتقال بتاريخ 13 مارس 1958، قامت إدارة المحتشد
باستدعاء عيسات إيدي وجعله تحت أمر بالتوقيف وتم توجيهه نحو سجن " سركاجي"
بالجزائر.
لم تتأخر كل من الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في تونس
والاتحاد الدولي للنقابات الحرة في بروكسل في الدفاع عن قضية عيسات إيدير
وتعيين محامين للدفاع عنه.
لم يخف عيسات إيدير، وبكل شجاعة، انتماءه إلى
النقابة الحرة، وهذا أمام المحكمة الاستعمارية، وقد فضلت المحكمة أن لا
تثير قضية الانتماء إلى اللجنة الوطنية للثورة الجزائرية طوال المحاكمة ولم
يسأل الشهيد عيسات إيدير عن هذا الانتماء من عدمه. حكمت المحكمة ببراءة
عيسات إيدير، في حين حكمت على عبد القادر علالو بـ (03) سنوات سجن نافذة
ونور الدين اسكندر بـ (02) سنتين، في حين برأت المحكمة كل من ساحة كل من
الشيخ مصطفى ومراكشي وسحنون.
بالرغم من حكم البراءة، وجد عيسات إيدير
عند خروجه من سجن سركاجي دركيين في انتظاره كان قد تحصلا على أمر من العقيد
" قودار" لاقتياده مسلسل اليدين نحو مركز التعذيب الكائن ببئر تراريا ،
وهو المكان الذي كان يتم فيه التعذيب بشكل علني من جانب "المضليين ذوي
القبعات الزرقاء" طوال معركة الجزائر.
وبعد أربع 04 أيام من التعذيب
المتواصل، حول عيسات إيدير نحو المستشفى العسكري "مايو" الكائن بباب الوادي
لأسباب "حدوث جروحات بليغة" نتيجة اشتعال سيجارة في فراش نوم المعتقل، وهو
الذي لم يدخن يوما !.
حاولت الاتحادية الدولية للنقابات الحرة الحصول
على تسريح بنقل عيسات إيدير نحو الخارج للتداوي من الجروح في مركز متخصص
بسيوسرا، إلا أن هذا الطلب قد رفض رفضا قاطعا من قبل " ذولوفري" ممثل
الحكومة الفرنسية في الجزائر.
توفي الشهيد عيسات إيدير، بعد معاناة
طويلة ومريرة نتيجة الحروق التي أصابته، يوم 27 جويلية 1959 وهي الوفاة
التي أحدثت تأثيرا عالميا في الأوساط النقابية والمحافل الدولية المحبة
للحرية والسلام التي نددت جلها بهذا الاغتيال الهمجي. وقد تصاعدت أصوات
متعددة في كل من أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا منددة بالجريمة ومطالبة
بالتحقيق في ملاباساتها و تسليط العقوبة على مقترفيها مهما كانت مستوياتهم
ورتبهم العسكرية.
عكست الجرائد والمجلات الصادرة آنذاك الصدى الإعلامي المندد بالجريمة والحكومة الفرنسية عن صمتها وتواطئها.
0 commentaires:
إرسال تعليق