المركزية الجهوية
خاصية مغربية بإمتياز: إنتظار أن تحدث اشياء إيجابية، مع الإدراك المسبق على غياب ما يؤشر على حدوثها. لتكون النتيجة هدر مزيد من الوقت، و تفويت فرص التغيير على الوطن، و إطالة أمد نظام الحكم الغير معني بتطلعات المغاربة للديمقراطية و العدالة الإجتماعية.
و بالتوازي مع ذلك هناك ميل لإضفاء لمسة من العدمية على كل إقرار بغير ذلك.
ذلك ما يحدث الآن مع مسألة الجهوية، و مع تسارع إيقاع الإحتفاء بآخر "تنزيل" للدستور المجسد في مشروع قانون الجهة.
و السؤال المفتاحي الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: هل يمكن أن يتفرع عن دستور ممنوح و غير ديمقراطي، جاء ليكرس الحكم المطلق الذي كان سائدا منذ عقود نظام، تدبير ترابي ديمقراطي على مستوى الجهات و على مستوى غيرها من الجماعات الترابية؟
الجواب سنجده في مسودة القانون التنظيمي حول الجهة، شكلا و موضوعا.
فالمسودة هي من إعداد وزارة الداخلية، و ذلك كاف لوحده لإستشراف المضمون الذي سيحمله القانون. فعقل الداخلية التحكمي لا يترك صغيرة أو كبيرة تفلت من إختصاصات الوالي من تعيينات و تعرضات و إعتراضات و تأشيرات، و من إشراف و وصاية، بحيث قليلة هي المواد التي لا تحيل على سلطة الوالي.
فالوالي يحضر جلسات مجلس الجهة (المادة 36)؛ و يبلغ رئيس المجلس وجوبا قرار تمديد دورات مجلس الجهة إلى والي الجهة فور إتخاذه (م 37)؛ و يتم إشعار والي الجهة بموضوع و تاريخ عقد دورة المجلس (م 38)؛ و يعقد المجلس دورة إستثنائية في حالة تلقيه طلبا في هذا الشأن من طرف والي الجهة، و يكون الطلب مرفقا بالنقط المقترح إدراجها في جدول أعمال الدورة ... (م 40)؛ و يعد رئيس الجهة جدول أعمال الدورات ...و يبلغه إلى والي الجهة...و تدرج، بحكم القانون، في جدول أعمال الدورات النقط الإضافية التي يقترحها والي الجهة (م 44)؛ و يمكن لوالي الجهة أن يعترض على كل موضوع مدرج بجدول الأعمال....(م 45)؛ و لا يتداول مجلس الجهة، تحت طائلة البطلان، في النقط التي حصل بشأنها إعتراض من طرف والي الجهة و لم يتم البت فيها من طرف المحكمة الإدارية (م 46)؛ يجتمع المجلس في إجتماع غير مفتوح للعموم بطلب من والي الجهة...إذا إعتبر هذا الأخير أن إجتماع المجلس في جلسة عمومية يخل بالنظام العام؛ إذا تبين لوالي الجهة إرتكاب أفعال مخالفة للقانون أو لأخلاقيات المرفق العام من طرف عضو من مجلس الجهة غير رئيسها، يقوم عن طريق رئيس الجهة بمطالبة المعني بالأمر للإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأفعال المنسوبة إليها، و إذا تعلق الأمر برئيس المجلس، فإن والي الجهة يراسله بشأن الإدلاء بإيضاحات كتابية حول الأعمال المنسوبة إليه (م 68)؛ أما المادة 77 فإنها تخول لوالي الجهة إتخاذ تدبير إقتراح توقيف مجلس الجهة لمدة ثلاثة أشهر بقرار تصدره وزارة الداخلية.
معظم مواد مشروع القانون تتضمن جزء من سلطة الوصاية على مجلس الجهة. إذ يكاد يكون الوالي ملك مصغر على مستوى الجهة، و في الواقع، لا ينقصه إلا إختصاص إصدار "الظهائر الجهوية".
إذن هذا كل شيء؟ هذه هي الجهوية المتقدمة التي أخذت تجارب شعوب أخرى بعين الإعتبار؟
في الواقع، لم ينقل مشروع القانون تجربة أي بلد من البلدان التي إعتمدت نظام الجهوية أو الأوطونوميات كشكل من اشكال التظيم الترابي و من لامركزية الحكم، بل إنه نقل عن تجربة المغرب نفسها و التي تعتبر نموذجا ليس فقط للمركزية، بل لمركزة السلطة في يد رئيس البلاد/ الملك.
كل الموظفين الكبار القائمين على المصالح الرئيسية في الجهة ، مثل المدير العام للمصالح (م 130 )، و مدير الوكالة الجهوية للتنمية (م 143 )، و مدير عام مجموعة الجماعات (م 154) يعينون بقرار من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية.
و طبعا ليس هناك أي إختصاص موكول للجهة له علاقة بالتشريع في نطاق إدارتها الترابية، بل المشروع يؤكد مرة و أخرى على صفة التداول و الموافقة على ... أو الدراسة و المصادقة على... ، و لا إلى إحداث جهاز تنفيذي (حكومة جهوية) منبثق من مجلس الجهة المنتخب يقوم بالإشراف على تسيير القطاعات التي تدخل في نطاق إختصاصات الجهة، الذاتية منها، أو المشتركة أو المنقولة لاحقا، و تكون له إستقلاليته عن وصاية الوالي الذي يفترض أن تقتصر إختصاصاته على تدبير مصالح الدولة في الجهة، و ليس أن يتحول إلى مسمار جحا .
هكذا إذن فالجهوية الحقيقية، موسعة كانت أو متقدمة، لن ترى النور خارج سياق المغرب الديمقراطي الذي لازالت معركة إنجازه مستمرة.
0 commentaires:
إرسال تعليق