حركة 20 فبراير بين متطلبات التطور ومعيقات الواقع.
لا أحد ينكر ما
أحدثته حركة 20 فبراير من تأثير في المجتمع المغربي منذ انطلاقها في سنة
2011 ، خاصة من زاوية كونها استطاعت أن تخلق دينامية ضاغطة على النظام
السياسي السائد في المغرب ، وتفرض عليه نوعا من المراجعة في الحسابات،
والاستجابة لبعض المطالب .
لقد ارتبطت تأثيرات حركة 20 فبراير بطبيعة
الظرفية التي ظهرت في إطارها، حيث انطلقت عدة تظاهرات وانتفاضات جماهيرية
في المنطقة المغاربية والعربية، واضعة نصب أعينها ما دشنته الثورتان
التونسية والمصرية من متغيرات في مناهضة الاستبداد، وما ترتب عنها من أحداث
متسارعة ومتنامية .
انطلقت التظاهرات والمسيرات الجماهيرية السلمية في
عدة مدن مغربية منذ 20 فبراير 2011، واستقطبت عدة فئات وشرائح اجتماعية،
وتنوع طابعها التعبيري والاحتجاجي، وتعددت شعاراتها ومطالبها، بين مطالب
سياسية ومطالب اجتماعية ونقابية ومهنية.
وتعددت ردود أفعال القوى المختلفة في المجتمع، ما بين منخرط أو مؤيد داعم، وما بين مناهض أو متردد محافظ .
واضطر النظام المخزني للخروج من إيقاعه السابق، حيث أعلن الملك في خطاب 9
مارس 2011 عن خطة لتغيير الدستور وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها .
وأصبح المغرب هكذا يعيش على إيقاع صيرورتين متناقضتين، صيرورة حركة 20
فبراير، ومعها الشارع الضاغط بمطالبه واحتجاجاته، وصيرورة النظام المخزني
المتوجس، المتحرك عبر آلياته الاحتوائية والقمعية والإختراقية.
وفي حين
ظلت القوى الوسطية مترددة وغير حازمة في مطالب التغيير، فإن القوى
الديموقراطية، وكذا مختلف القوى النشيطة، والفعاليات السياسية والنقابية
والحقوقية والجمعوية والنسائية والشبابية والأمازيغية والثقافية، لم تستطع
الحسم مع خلافاتها، والقبول بتعددها وتنوعها، وتوحيد صفوفها، ولم تستطع
بالتالي العمل كقوى تغييرية فاعلية ومؤثرة بشكل إيجابي في المجتمع وفي باقي
التيارات والميول المتصارعة في أوساطه.
حققت حركة 20 فبراير عدة
إيجابيات، منها إنزال العديد من الشعارات الديموقراطية والسياسية إلى
الحياة الجماهيرية وتظاهرات الشارع العام، خاصة شعارات الحرية والكرامة
والعدالة الاجتماعية، كما فرضت نقاشات عمومية حول قضايا الحق في الحياة
والكرامة الإنسانية والمساواة وحقوق المرأة والحقوق الإنسانية،
والدستوروالدولة العلمانية وطبيعة النظام السياسي والتداول على السلطة،
وربط المسؤولية بالمراقبة والمحاسبة، وشعار عدم الإفلات من العقاب، وعلاقة
الدين بالسياسة والدولة والسلطة، وحرية العقيدة وحرية التعبير، والتظاهر
السلمي، والتعدد اللغوي وموقع الأمازيغية، والحريات الديموقراطية الفردية
والجماعية ، ومختلف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية
واللغوية، والجهوية المحلية، ومناهضة التعذيب وكل أشكال التمييز والإهانة
والعنصرية، وغيرها من القضايا التي أصبحت قريبة من حياة الناس ومتداولة
بينهم .
وهذه الحركية النضالية والمقاربة الفكرية والسياسية والمنهجية
المتنوعة ، التعددية والوحدوية ، هي عمق حركة 20 فبراير، وهي أهم إسهام
ورصيد لحركة 20 يمكن التمسك به وتعميقه وتطويره .
لكن في نفس الوقت
ظلت حركة 20 فبراير تعاني من اختراق صفوفها، ومزايدات بعض فاعليها وشبابها ،
واضطرابها بين العفوية والتنظيم. ولم تستطع تجاوز تعثراتها وتحديد التناقض
الرئيسي والتناقضات الثانوية في صفوفها وفي المجتمع، كما لم تستطع فرز عمل
تدبيري نضالي يومي ديموقراطي وإيجابي . مما أسقطها في المحدودية وضيق
الأفق، وأغرقها في صراعات هامشية استنزفت طاقاتها وفعالياتها .
ومثل هذه السلبيات هي مما يطلب التخلص منه .
أما النظام السائد ، فرغم ضعف مواقفه وطابعها الدفاعي ، فإن آلياته لم
تتوقف ، حيث ظلت تعمل في السر والعلن من أجل الاحتواء والتدارك ، خاصة بعد
أن تلمست مواطن ضعف حركة 20 فبراير ، ومكامن الخلل والتناقضات في صفوف
القوى الديمقراطية، خاصة بين مناضلي الحركات النشيطة في حركة 20 فبراير ،
والتنظيمات الشبابية والجمعوية الموازية لها .
أقدم النظام السائد على
عدة خطوات، منها تعديل الدستور والتصويت عليه بنوع من التجييش، وتنظيم
انتخابات برلمانية في شروط مغايرة وأقل تحكما، والقبول بتعديل الخريطة
السياسية، من خلال القبول بنتائج الانتخابات التي أعطت فوز حزب العدالة
والتنمية الإسلامي على أرضية عزوف مستمر ومشاركة ضعيفة .
وتم تشكيل
الحكومة على هذا الأساس، في ظل الدستور الجديد . وبدأت عملية لتدجين
والألفة السلطوية المتبادلة بين المخزن والإسلاميين خاصة المعتدلين. مما
وضع مؤشرات سلبية للتطورات اللاحقة .
حاول النظام السائد توظيف سلبيات
الصراعات والحروب في مناطق أخرى، خاصة في ليبيا ومصر وسوريا، من أجل كسب ود
الفئات المتوسطة والقوى المحافظة. وبالتالي تسويق نظرية الاستثناء أو
النموذج المغربي .
وبالمقابل انسحبت جماعة العدل والإحسان من حركة 20
فبراير. وانحسرت مساهمات الشرائح المترددة من الفئات المتوسطة . مما أثر
على زخم المسيرات والتظاهرات .
أحداث متسارعة وتطورات متلاحقة وتساؤلات متناسلة ومتفرعة كانت تفرض دراسة الموقف في حركة 20 فبراير ؟
لكن حركة 20 فبراير لم تقف مع نفسها وقفة تأمل من أجل تصحيح الأخطاء، ولم
تعمل من أجل تجديد أنفاسها وأساليبها وخططها وإستراتيجيتها. بل عم التشرذم
والنظرات الذاتية والضيقة والمزايدات. مما أعطى للدعوات السلبية الداعية
إلى نهاية أو إنهاء الحركة موطئ قدم. ولم تستطع بعض الأطر الصامدة وسط حركة
20 فبراير أن تقدم إلا نوعا من الإرادوية والتضحية التي لا تكفي من أجل
تجاوز الأزمة .
على ضوء ما ذكر ، كيف يمكن أن ننظر اليوم إلى واقع حركة 20 فبراير ؟
كيف يمكنها أن تتحول إلى عنوان بارز من أجل استنهاض حركة التغيير الديمقراطي العام في المجتمع كله ؟
من يعتقد أن حركة 20 فبراير قد ماتت فهو واهم.
ومن يعتقد أن حركة 20 فبراير ستستمر بنفس الشكل والأساليب فهو واهم.
وكل من هذين الاعتقادين يلتقي مع الأخر في اختزال حركة 20 فبراير في التظاهرات والوقفات اليومية والعفوية .
آفاق حركة 20 فبراير أكبر من ذلك ، إنها آفاق مرتبطة بقراءة نقدية إيجابية
لتجربة حركة 20 فبراير ، وممارسة النقد والنقد الذاتي في صفوف مناضليها
وفاعليها الصادقين ، وتطوير رصيدها الإيجابي في أبعاده النضالية
الديمقراطية الوحدوية والإستراتيجية ، الفكرية والسياسية والحقوقية
والنقابية والأمازيغية والنسائية والشبابية ، في اتجاه استنهاض حركة تغيير
ديمقراطي جماهيري في المجتمع كله ، هدفها المشترك إسقاط الفساد والاستبداد،
وشعارها المشترك حرية ـ كرامة ـ عدالة اجتماعية - مساواة .
ولذلك ندعوكم بمناسبة هذا اليوم الدراسي إلى ما يلي :
1/ الشروع في القراءة النقدية الإيجابية لحركة 20 فبراير .
2/ ممارسة النقد والنقد الذاتي الإيجابي والبناء بارتباط مع هذه التجربة .
3/ مناقشة الرصيد الإيجابي النضالي الديمقراطي المتنوع والوحدوي لحركة 20 فبراير. والبحث في آفاقه السياسية الواعدة .
4/ مناقشة مشروع إستراتيجية جديدة ومتجددة لحركة 20 فبراير في أبعادها
الفكرية والسياسية والحقوقية والنقابية والثقافية واللغوية الأمازيغية
والنسائية والشبابية . على ضوء التطورات الجيوسياسية في المنطقة وفي المغرب
.
5/ مناقشة كيفية إسهام حركة 20 فبراير في استنهاض حركة تغيير ديموقراطي عام في المجتمع المغربي كله .
6/ من أجل حركة هدفها المشترك إسقاط الفساد والاستبداد، وشعارها المشترك " حرية ـ كرامة ـ عدالة اجتماعية "
7/ مناقشة آليات الأجرأة والتفعيل للمرحلة المقبلة
لجنة حركة 20 فبراير والحركات الاجتماعية.
الدار البيضاء في ماي 2014
0 commentaires:
إرسال تعليق