كلٌ يصطنع الحكمة في كتاباته وأقواله ويمارس الحماقة في مواقفه، اﻻ الحكيم فمواقفه هي دليل حكمته، ويبدو أننا افتقدنا الحكماء في حياتنا السياسية لسنوات طويلة، وآية ذلك أنه من أجل السذاجة المفرطة، والسطحية المذهلة التي تعيش فيها الفصائل التي تطلق على نفسها «نخب» كبارهم وشبابهم، استطاع مبارك البقاء في الحكم ثلاثين عاما، ثم استطاع الاخوان الذين هم أقل الناس معرفة وفهما وذكاء الوصول للحكم، وما انتهى عصر مبارك ثم عصر الاخوان سريعا الا على يد الشعب العميق على بساطته، الحكيم على أميته، ليست مشكلتنا في الشعب، ولكن المشكلة كانت في أولئك الذين ادعوا أنهم يعملون من أجل الشعب البسيط، ولو كانوا يعملون من أجله لتأثر بهم وتحرك معهم، ولكنه تحرك فقط مع الذي كان يعمل حقيقة لا خيالا من أجله.
أعلم أن البعض الآن بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية يضرب كفا بكف، يحرك وجهه يمينا ويسارا غير مصدق هذا الفارق الهائل بين المتنافسين، فالنتيجة في حقيقتها بدت كاستفتاء، ولا أظن أبدا ان الشعب في هذه الانتخابات كان يفاضل بين متنافسين، ولكنه كان يبايع شخصا محددا أدرك الشعب أنه تحرك في الوقت المناسب من أجلهم وأنقذهم من كارثة كادت تودي بمستقبل مصر كلها، في الوقت الذي اختفى فيه منافسه يوم ثورة الثلاثين من يونيو، بل لم يكن معارضا شرسا للاخوان من الأصل، وكان كل جهاده الذي فعله في الأشهر الثلاثة الأخيرة من حكم الاخوان اصدار عدة تصريحات! ومع ذلك فإن هذا الصديق الذي يضرب كفا بكف غير مصدق كان يعلم علم اليقين أنه لن يفوز، ولكنه لم يتصور أبدا ان يكون هذا هو قدره بين الناس، ولكنني أعلم أيضا ان هذا الصديق لن يبحث حقيقة عن أخطائه، ولكنه سيبحث عن مشجب يعلق عليه هذا الفشل المروع.
ولنعد الى السبب الرئيس الذي أدى الى فشل الكثير من القادة والرؤساء في عهود مختلفة وأنظمة متباينة، ساعتئذ سنجد ان أحد الأخطاء الكبرى ان يفشل هؤلاء الساسة في قراءة الشعب، ارتكب الاخوان هذه الخطيئة، ووقع فيها الصديق حمدين صباحي وهو يطرح نفسه رئيسا في الانتخابات، وكان مما وقع فيه أنه جهل ان الجماهير البسيطة العفوية تحب جيشها وتعتبره رمزا لكرامتها، لذلك فإن من يعادي هذا الجيش أو يسخر منه أو يهتف ضده فهو عند المصريين مذموم ﻷنه تعدى على كرامتهم، لم يتذكر الصديق وهو يسمح في مؤتمراته بالهتاف ضد الجيش أننا حين كنا نمر بأزمات داخلية كان الجيش هو سندنا، وحين استنجدنا بالجيش لينقذنا من الاخوان فعل، في الوقت الذي اختفت فيه من الساحة الشخصية المدنية التي تقود الجماهير البسيطة، بل عندما اتيحت لها الفرصة التاريخية يوم الرابع من ديسمبر 2012 والذي أطلقنا عليه يوم الثلاثاء العظيم، عندما حاصر الشعب قصر الاتحادية، حتى وصل عدد من حاصر القصر إلى أكثر من سبعمائة ألف مواطن، وكاد الناس يقتحمون القصر، وفتح لهم الجيش كل الطرق ليسهل لهم الاقتحام، الا ان قادتهم المدنيين وعلى رأسهم صديقي الذي رشح نفسه رئيسا نكلوا وتراجعوا وسحبوا الجماهير معهم، فترتب على ذلك ان قام الاخوان بترتيب مذبحة «الأربعاء الدامي» فهل أدرك الصديق أنه بتراجعه في هذا اليوم فقد كل رصيده لدى الشعب؟!.
أخطاء عديدة وقع فيها من لن يراجع نفسه، أدت الى فشله المروع هذا، وحينما كنت صغيرا تعلمت في مدينة الانتخابات أنك اذا شغلت نفسك أثناء دعايتك بمنافسك فاز عليك، فقد تكفلت أنت بنفسك بتوفير قدر مناسب له من الدعاية، أنت بذلك يا عزيزي أصبحت جزءاً من حملته الانتخابية، ولا يغرك أنك تذكره بسوء، فهذا السوء يكسبه تعاطفا من بعض المحايدين، ولن يؤثر فيه بالنسبة للمؤيدين، فلماذا تذكره اذن وتشغل نفسك به؟! في أي انتخابات يجب ان يكون المحايد المتردد هو من تخاطبه، هو من تشغل نفسك به، ومن بعده المؤيد الذي يجب ان تحتفظ به، ثم يجب ان تعلم ان هدفك الأخير هو من يؤيد منافسك، فيجب ان تتفنن في ضمه الى صفوفك، فان لم تستطع فتحييده أولى بك وأنفع، وقد رأينا أنك وكل من كانوا معك تقريبا جعلوا كل همهم ان يهاجموا منافسك لا أن يتحدثوا عنك، كانت هذه بعض الدروس، فهل تعيد قراءة الواقع؟، أتمنى هذا.
0 commentaires:
إرسال تعليق