728x90 شفرة ادسنس

الأحد، 12 أبريل 2015

أسئلة حول علاقة الدين والمجتمع بالعَلمانية – كمال السعيدي


كمال السعيدي



سبق لي أن اطلعت على مقال للمفكر الراحل محمد عابد الجابري، أوضح فيه أن شعار العلمانية غير مطابق لحاجيات ولواقع المجتمعات العربية، خصوصا غير الطائفية منها، أي تلك التي تتشكل من أغلبية مسلمة من بين أفرادها، على اعتبار أن العلمانية بما هي فصل للدين عن الدولة، تكون جوابا عن وضع خاص، يتميز بنوع من الصراع أو المنازعة في الإختصاص، بين سلطة روحية تحتكر لنفسها الدين، وتتحدث باسمه، وبين السلطة الزمنية التي تمتلها الدولة ككيان سياسي.


وبالتالي يطرح المفكر بديلا عن شعار العلمانية، يتمثل في تبني العقلانية والديمقراطية، معللا طرحه، بأن الديمقراطية هي في النهاية الضامن لحقوق الأفراد والجماعات، وأن العقلانية هي الضامن ضد التعصب والمزاجية، بما أنها تؤطر كل ممارسة سياسية بمعايير العقل الأخلاقية والمنطقية.

أعتقد أن الطرح الذي قدمه “الجابري” بجعل شِعارَيْ الديمقراطية والعقلانية بديلا عن العلمانية، طرح مقبول من الناحية البراغماتية، على الأقل، ففي المحصلة الشعاران أعلاهما، هما مجرد تفكيك لشعار العلمانية، ويقدمان نفس المضمون الذي ننتظره منها، بالإضافة إلى أنه في المجتمعات حيث يشكل الإسلام (بالمعنى الحضاري والتقافي) الروح والهوية، فإن الناس يتقبلون الشعارين أعلاه بسهولة أكثر مما يتقبلون شعار العلمانية، الذي ترسخ في الأذهان كمذهب يعادي الدين و يستبعده من الحياة العامة.

العَلمانية لا تعني معاداة الدين، بل تعني أن تتخذ الدولة نفس المسافة من الأديان، وهذا قد يكون مفهوما، عندما يتعلق الأمر بدول متعددة الإنتماء الروحي والديني، فتقتضي مبادئ المواطنة المتساوية لأفراد المجتمع، أن يكون للجميع نفس الحقوق و نفس الواجبات، وكذلك الأمر على مستوى رعاية الدولة للحاجيات الروحية لمواطنيها.

لكن عندما يكون الأمر متعلقا بمجتمعات، ذات أغلبية ساحقة من الأفراد على دين معين، كما هو حال الإسلام في أغلب مجتمعاتنا العربية، فلا بد أن يتم نوع من التمييز الإيجابي، في تعاطي الدولة مع ذلك الدين، دون أن يعني الأمر طبعا تجاهل حاجيات الأقليات الروحية لديها.

بالعودة إلى طرح الراحل “الجابري” والذي ينطلق من أنه لا توجد في الإسلام، نظريا، مؤسسات دينية تحتكر الدين وتتكلم بإسمه، وتتوسط بين الإنسان وخالقه، أي مؤسسات كهنوتية، وهو ما لا يمكن إنكاره، لكن هل ينطبق الواقع اليوم مع هذه الصورة النظرية ؟ ألا تمثل الجماعات، والحركات الإسلامية، وهيئاتها الدعوية والإفتائية، نوعا من المؤسسات شبه الكنسية، والتي تسعى، بل و تدعي أحقيتها في تمثيل الناس، ورسم طريق الخلاص لهم؟

ألم تسقط الدولة هي نفسها، لأسباب سياسية، في نفس الشيء، بسعيها لمنع احتكار تلك الجماعات للدين والفتاوى، بأن أقامت هي كذلك مؤسسات، فرضت من خلالها الإحتكار المضاد للدين، وأقامت بنيانا أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه يستلهم النموذج الكنسي؟ هل في هكذا واقع، يستعيد مطلب العلمانية مشروعيته، أم أن طرح الراحل “الجابري” يظل محتفظا براهنيته وجدواه، طالما أن الدولة في حالنا، هي مَن يجمع بين السلطتين الروحية والسياسية، وبالتالي نحن خارج منطق الدولة داخل الدولة (وهو مبرر الفصل) الذي تجسده السلطة الدينية المستقلة عن الدولة، حين تنازع هذه الأخيرة في اختصاصاتها السياسية؟!
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

0 commentaires:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أسئلة حول علاقة الدين والمجتمع بالعَلمانية – كمال السعيدي Rating: 5 Reviewed By: Unknown
Scroll to Top