728x90 شفرة ادسنس

الخميس، 3 يوليو 2014

تحرر المرأة بين المقاربة الحقوقية والمقاربة السياسية - فؤاد أَجــحـا





الحركة النسائية في المغرب تتواجد حاليا داخل منطقة مغلقة :   غياب الأفق  ،  تعثر في المسيرة التحررية للمرأة ،  أزمة في التصورات و المقترحات  ،  ضعف مهول للحضور النسائي في الفضاءات النضالية العامة  ، عزوف العنصر النسوي عن الفعل السياسي والتحزب وتحمل المسؤولية  ، إستسلام كامل لوجهة النظر الرسمية  ...إلخ .

شعارات "العهد الجديد" أبهرت عقول النساء المغربيات فهرولن إلى دار المخزن وطلقن كل الإرث التحرري الذي راكمته الحركة النسائية طيلة عقود من الكفاح المرير الذي شهده المغرب الحديث  ،  واقتنعن بأن خلاص   قضية المرأة يوجد في أحضان مؤسسات السلطة وإلى جانب دواليب النظام السياسي القائم  ؛  لقد كان "المفهوم الجديد للسلطة" فعالا اتجاه المسألة النسائية لأنه توفق في انتشالها من مجالها الطبيعي والحقيقي ثم رماها في ملعب الإفتراضات  والإنتظارات  .

مقاربتان اثنتان تتجاذبان قضية المرأة  :  المقاربة الحقوقية والمقاربة السياسية  .  المقاربة الأولى هي التي استحوذت على مجهودات الفاعلات النسائية في المغرب في الوقت الراهن  ،  وهي المقاربة التي تباركها وتتبناها الجهات الرسمية حيث وضعت جميع إمكاناتها في خدمتها والترويج لها ؛  أما المقاربة الثانية فهي التي تتبناها القوى التقدمية والديمقراطية واليسارية التي تجعل من قضية المرأة قضية سياسية تشكل جزءا من معركة التحول الديمقراطي بالمغرب  .

لا أحد يجادل في كون القضية النسائية قضية حقوقية  ،  كما لا أحد يجادل في أن جميع القضايا الإنسانية هي قضايا حقوقية  ، لكن شتان ما بين النظرة الحقوقية المحضة  للحق والنظرة السياسية لهذا الحق  ،  فالنظرة الحقوقية لوحدها مجردة ومنعزلة عن أي مرجعية سياسية تؤدي لا محالة إلى ضياع الحق و تقحم أصحاب هذه النظرة في متاهات لا مخارج لها  ، وهذا بالضبط ما وقع للحركة النسائية المغربية التي فقدت البوصلة وغابت عنها كل الآفاق  .  قبول الحركة النسائية لعبة المقاربة الحقوقية لقضية المرأة جعلها لقمة سهلة المضغ من طرف أجهزة الدولة حيث حولت هذا الملف من طاولة القرار السياسي إلى ملعب الصراعات الإجتماعية بين الرجل والمرأة وانبرت بنفسها عن الموضوع فأخذت موقع المتفرج والحكم و ليتبارى المتبارون  .

و لكي تظهر أجهزة الدولة بمظهر المساند للقضايا النسائية وضعت كل إمكاناتها اللوجستية والمالية  في خدمة الجمعيات و الفاعلات النسائية ،  و خلقت داخل جميع الإدارات الترابية والأمنية مراكز للإستماع و جيشت وسائل الإعلام العمومية السمعية والبصرية والمقروءة لترويج البضاعة الحقوقية إلى حد لا يخلو أي برنامج نسائي من مستشار قانوني يفسر المساطر ويبسط المعلومات القانونية  ؛  جواب الدولة على المقاربة الحقوقية التي اختارتها الحركة النسائية هو تشجيع المرأة على ولوج المحاكم وترويج مكاتب المحامين  ،  جواب الدولة هو خلق حرب أهلية بين المواطنين خالية من السلاح الناري  ،  وهكذا تنصلت الدولة من مسؤولياتها اتجاه هذا الملف بعد ما وضعت له حدودا نهائية  .  لكن ، ألا يعتبر هذا مقاربة سياسية من طرف الدولة لقضية المرأة ؟؟؟ .

المقاربة الحقوقية للمسألة النسائية أدخلت قضية المرأة في نفق مظلم لأنها لم تتمكن من تحويل المرأة الى كائن مواطن ، ولم تتمكن من رفع قيمة الأداء النسوي في الفضاء العمومي بل فقط حولتها من بضاعة جنسية الى بضاعة قانونية تتقاذفها المحاكم ومراكز الاستماع  .  المقاربة الحقوقية أدخلت المؤسسة الأمنية إلى كل البيوت وسببت في تفكيك العديد من العوائل والأسر وتشريد الأطفال ووسعت من رقعة الهدر المدرسي و ذلك نتيجة تأثر المرأة المغربية و تفاعلها المفرط وبطريقة سلبية مع هذه الثقافة الحقوقية علاوة على انتشار الجهل والأمية بنوعيهما البسيط والمركب في صفوف النساء  .  في المجمل  ،  لقد نجحت الدولة سياسيا في تجريد قضية المرأة من طبيعتها السياسية و نجحت في فصل الحركة النسائية عن مسارها النضالي وجعلها مجرد حركة حقوقية  ،  ونجحت أيضا في توريط الكثير من الجمعيات والفاعلات النسائية في مستنقع الفساد عن طريق إغداق المنح والتمويلات السخية للسفريات والإجتماعات و الأيام التكوينية والتجهيزات المكتبية التي يفوق مستواها ونوعيتها ما تتوفر عليه الإدارات العمومية وأصبح الإنتماء إلى النشاط الجمعوي النسائي فرصة للإغتناء السريع والرقي الإجتماعي في المقابل أصبح النشاط السياسي في أعين النساء "الواعيات" مضيعةللوقت و أوجاع الدماغ ولا يكل لسان حالهن من الترويج و التحريض على الإبتعاد عن السياسة و عن الأحزاب وهذا بالضبط ما راهنت على تحقيقه أجهزة الدولة للإجهاز على الحقوق الفعلية للمرأة المغربية وإسكات صوتها  .

           المقاربة الحقوقية للمسألة النسائية تتحكم فيها حدود لا يمكن تجاوزها بالوسائل القانونية ،  فقانون الأحوال الشخصية أو مدونة الأسرة تتأسس على مقتضيات التشريع الإسلامي الملخصة في "سورة البقرة" ، ومهما كانت الإجتهادات فإن سلطة النص تظل دوما قوية  ؛  إن ما فعلته لجنة الأستاذ امحمد بوستة التي أخرجت مدونة الأسرة إلى الوجود لا يستحق كل هذا التهويل والتطبيل الذي قامت به الحركة النسائية  ،  فهذه المدونة لم تعر المرأة وحقوقها كإنسان أي اعتبار بل تكلمت عن الأسرة وعن حقوق مكونات الأسرة وخصوصا الأطفال  ،  وكل ما في الأمر هو أن هذه اللجنة فقط وسعت دائرة التقعيد التشريعي  لمدونة الأحوال الشخصية التي كانت محصورة في تعاليم المذهب المالكي لتستفيد من تعاليم المذاهب الإسلامية الأخرى في مقدمتها المذهب الحنفي وغيرت الإسم إلى مدونة الأسرة  ،  يعني أنها لم تخرج عن نطاق التشريع الواحد والوحيد  ،  وهذا ما يفسر لجوء بعض الفاعلات النسائية إلى تقمص دور "الفقيه"  لتفسير وتأويل الآيات القرآنية خصوصا المتعلق منها بتعدد الزوجات  ،  وكأنهن يرغبن في تطويع النص المقدس لمطالبهن و رغباتهن عنوة لينطق بما لا يستطيع النطق به  ،  لذلك  أقول إن المقاربة الحقوقية أوصلت مطلب تحرر المرأة الى الباب المسدود .

           لقد كان اليسار المغربي أول من وضع قضية المرأة على سكتها السليمة  ورسم هويتها السياسية بالوضوح التام بحيث لم يداهن ولم يراوغ في الإعلان بأن تحرر المرأة مرتبط هيكليا بتغيير النظام السياسي الحاكم و بأن الحقوق التي يجب أن تتمتع بها المرأة  والتي تجيب عمليا على مطالبها لا يمكن تأسيسها إلا على قاعدة القوانين "الوضعية" التي تسنها مؤسسات تشريعية ديمقراطية  .  ارتبطت قضية المرأة  وتحريرها من القيود التي تكبلها عند اليسار  بمعركة التحرر المجتمعي من هيمنة استبداد سلطة المخزن ومن دكتاتورية أخطبوط الفساد السياسي والإقتصادي والثقافي  ،  بل و رهن أي تقدم يصبو إليه الشعب المغربي  بتخلص المرأة من الكوابح التي تشل إمكاناتها و قدراتها  ،  لذلك جعل هذه القضية قضية مصيرية في المشروع اليساري وواجهة مركزية في النضال السياسي للحركة التقدمية بالمغرب .  



            المقاربة السياسية لقضايا المرأة تنظر إلى المسألة النسائية من حيث كونها  تنتمي إلى مجال  الحريات  الفردية و الشخصية و لا تنظر إليها من نافذة مدونة الأسرة   ،   أعني أنها تتعامل مع المرأة كمواطنة ينبغي أن تتمتع بكامل حقوق المواطنة سواء كانت داخل أسرة أو خارجها عكس المقاربة الحقوقية التي لا تعترف بالمرأة إلا داخل الأسرة  ؛  والمقاربة السياسية أيضا ترى في المرأة كائنا مسؤولا مستقل القرار و الرأي في مستوى واحد مع الرجل في الحقوق كما في الواجبات عكس المقاربة الحقوقية التي ترى في المرأة كائنا تابعا إن لم يكن للرجل فللمحاكم وقضاء الأسرة ومراكز الإستماع  ؛  والمقاربة السياسية كذلك تدعو المرأة إلى المشاركة في النضال المرير إلى جانب الرجل لكي تمسك بمصيرها وتنتزع حقوقها  عكس المقاربة الحقوقية التي تدعو المرأة الى النضال ضد الرجل و تجرها الى اِتباع وسائل مذلة لاستجداء حقوق تعطى لها فتاتا فتاتا من مؤسسات عنكب داخلها الفساد بكل الألوان  ،  وبالجملة ، تتأسس المقاربة السياسية لدى اليسار على اعتبار المرأة عنصرا مواطنا بالمواصفات العالمية لحقوق الإنسان بينما تتأسس المقاربة الحقوقية على اعتبار المرأة مكونا من مكونات الأسرة وقضية  قانونية ، أو على الأصح قضية قضائية ، ليس إلا .

           والآن  ،  أين موقع المرأة في الحراك السياسي والجماهيري الذي يعرفه المغرب   ؟؟  ما هي مساهمتها في الفعل السياسي داخل الإطارات الحزبية المنخرطة في معركة التحول إلى الديمقراطية في المغرب  ؟؟  و بالتالي ما هو السبيل إلى استعادة الحركة النسائية إلى حضنها الطبيعي والتاريخي و انتشالها من بؤرة التضليل الإعلامي  والترويج الإستهلاكي الذي أخضعتها له أجهزة الدولة ومنابرها ومن مستنقع الإرتزاق والفساد الذي تورطت فيه  ؟؟  .  لا شك في أن انسحاب الفعاليات النسائية من الممارسة السياسية واتساع دائرة عزوف النساء عن التحزب ألحق ضررا بالغا في مسيرة الحركة التقدمية المغربية  و أجل فرصا ذهبية لمطارحة قضية المرأة بالأساليب الهادفة  والمؤثرة  .
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

0 commentaires:

إرسال تعليق

Item Reviewed: تحرر المرأة بين المقاربة الحقوقية والمقاربة السياسية - فؤاد أَجــحـا Rating: 5 Reviewed By: Unknown
Scroll to Top