لا نختلف في فرضية كون مبرر وجود اليسار الديمقراطي اليوم في المغرب هو واقع الاستغلال الطبقي و الاستبداد الذي يمارسه تحالف البرجوازية الكمبرادورية و الاستعمار الجديد المعولم (دول الولايات المتحدة الأمريكية و أروبا الغربية و اليابان) من جهة و واقع نضال جماهير الطبقات الشعبية (طبقة عاملة، فلاحين صغار و فقراء، مأجورين و ماجورات محدودي الدخل، و عموم الكادحين و المحرومين...) من أجل التحرر و تحقيق آمالها و طموحاتها في ديمقراطية حقيقية تحقق للجماهير الشغبية العيش الكريم و الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية و المساواة.
و بالتالي فالالتحام العضوي بالجماهير الشعبية، لتأهيلها فكريا و سياسيا و تنظيميا لقيادة نضالها الاجتماعي و السياسي من أجل تحقيق هذه الديمقراطية الحقيقية دولة و مجتمعا، هو جوهر عمل و نضال اليسار الديمقراطي الجذري. و ليس مجرد رفع شعار و برنامج إصلاح النظام السياسي المخزني التبعي عبر الانتخابات، محلية أو تشريعية ينبثق عنها البرلمان و الحكومة. لقد أثبث التاريخ، اتفاقية إيكس ليبان، أن النظام السياسي الذي أسسه وبناه الملك الحسن الثاني، غير قابل للإصلاح رغم محاولات و مفاوضات و توافقات عديدة بين المؤسسة الملكية و المعارضة الوطنية...
إن مهمة الاتحام العضوي لليسار الديمقراطي الجذري بالجماهير الشعبية مهمة صعبة لكنها غير مستحيلة بالنظر لما أبدته الجماهير الشعبية من استعداد للنضال في عدة مراحل سياسية كان آخرها استجابة هذه الجماهير في أغلب مناطق المغرب للنضال الديمقراطي الجماهيري الذي بلورته حركة 20 فبراير، إنها مهمة صعبة كذلك لأن وعي الجماهير الشعبية و استيعابها لأهداف النضال اليساري الديمقراطي لا زالا ضعيفين في واقعنا السياسي الملموس و لأن ممارسة اليسار الديمقراطي الجذري التنظيمية و السياسية لا زالت قاصرة و تفتقد لتصور و لخطط و لبرامج و لأساليب عملية لإنجاز الالتحام بالجماهير الشعبية و قيادة نضالاتها الديمقراطية.
و الإقرار بهذا الواقع يوضح لنا أن أزمة اليسار الديمقراطي في عدم تقدمه جماهيريا و شعبيا هي أزمة ذاتية بالنظر للخلل و العجز الفكري اليساري و بالنظر لعجز ممارسته السياسية و الاجتماعية و التنظيمية.
اليسار الديمقراطي له مقرات لا يعرف كيف يجعل لها دورا كبيرا في حياة المولطنات و المواطنين و فضاء لنشر الفكر الديمقراطي و اليساري و الاشتراكي و في جعل هذه المقرات فضاء جاذب و منظم لوعي و لممارسة و لنضال جماهير فئات من الطبقات الشعبية.
يبلور عدد من مناضلي و مناضلات اليسار الديمقراطي الجذري، في مناطق عديدة أفكارا و ممارسات سياسية و اجتماعية نوعية و مبدعة، لكن هذا اليسار و آليات اشتغاله لا تعرف كيف تستفيد من هذه الأفكار و الممارسات و تحويلها إلى أساليب عمل تمكن الفئات الاجتماعية الشعبية و الكادحة و المحرومة من تّمّـلـُّـكِها كوعي و كممارسة للتحرر الديمقراطي من تخلف وعيها و ممارستها و امتلاك وعي و ممارسة سياسية و اجتماعية ديمقراطية مناهضة للاستغلال و الاستبداد في حياتها و معيشها و في نضالها.
لذلك نعتبر أن أزمة اليسار الديمقراطي الجذري هي أزمة تطوره و تجديده فكرا و ممارسة، سياسيا و اجتماعيا، و تنظيميا و أساليب عمل، أي أنها أزمة ممارسة سياسية و اجتماعية. و تجاوز اليسار الديمقراطي الجذري لأزمته يتطلب أفكار يسارية ديمقراطية جديدة قادرة على إحداث و تجسيد قطيعة مع أخطاء الممارسة الفكرية و السياسية للماركسيين خلال الاشتراكيات المحقـقة في الاتحاد السفياتي و خارجه و ليس القطيعة مع الماركسية و جوهرها الحي و النقدي المناهض للرأسمالية المعولمة الامبريالية و لـ"ديمقراطيتها" النيوليبرالية، و المناهض للاستغلال الطبقي و للاستلاب بكل أشكاله الإيديولوجية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
و لا يمكن تجاوز أزمة اليسار الديمقراطي الجديد و الخلل الذاتي الذي يعانيه دون ممارسة سياسية تترجم آمال و طموحات الجماهير الشعبية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الثقافية إلى برامج و خطط ملموسة و عملية قادرة على تعبئة هذه الجماهير الشعبية التي تتقبلها للارتقاء بوعيها و ممارستها إلى نضال يساري ديمقراطي يهدف إلى تحقيق التغيير الديمقراطي الجذري المنشود. غير أنه مع استمرار التناقضات و الصراعات السياسية و الفكرية و التنظيمية داخل كل قوة من قوى اليسار الديمقراطي الجذري تشكل عائقا أساسيا يعيق إمكانية تجاوزه لأزمته الذاتية. و نقد هذه التناقصات و الصراعات هي الذي سنتناوله في الموضوعة القادمة.
0 commentaires:
إرسال تعليق