728x90 شفرة ادسنس

الأربعاء، 18 يونيو 2014

د. إبراهيم ياسين : لا نقبل تقييداً لخطنا الحزبي حول إصلاح النظام السياسي




يتطرق إبراهيم ياسين عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد في هذا الحوار لعدد من القضايا الراهنة المرتبطة بالظرفية السياسية الخاصة بالتحضير للانتخابات. ويتوقف عند حدود مفهوم أعيان الانتخابات باعتباره واحداً من الآليات التي توظفها الدولة من أجل التدخل غير المباشر في الانتخابات وضبط توازنات الخريطة السياسية، معتبراً أن الأحزاب الوطنية قدمت تنازلات غير مبررة حينما قبلت بوجود الأعيان ضمن أجهزتها وهو ما يهدد بإفساد الحياة السياسية نفسها.
ويضع ياسين حدوداً فاصلة بين الخط السياسي للحزب الاشتراكي الموحد وأي تدخل لمحاربة تجسيد جذريته، معيداً التأكيد على ثوابت الحزب المتمثلة في المطالبة بإصلاح دستوري وسياسي عميق كفيل بإنجاز تحول ديمقراطي حقيقي.
هيمنة الأعيان
 أعيان الانتخابات كانوا دوماً حاضرين في جل العمليات الانتخابية باعتبارهم أداة ضاربة في يد الدولة للتحكم في الخريطة السياسية. ما تعليقكم؟
** الأعيان نتاج تدخل الإدارة في الانتخابات منذ بدايتها، وأعتبر أن دورهم خلال العشر سنوات الأولى من القرن العشرين هو نتيجة للمسار السابق، حينما كانت الدولة تتدخل بشكل مباشر في الانتخابات لأنهم كانوا حينها في وضعية ضعف. فكانت السلطات المحلية والمسؤولون الإداريون على مستوى الأقاليم يقومون بتدخلات وصلت أحياناً إلى حد سرقة صناديق الاقتراع، وتغيير النتائج خلافاً لما يعلن وبتطور إمكانات تدخل الدولة، ونظراً للنتائج السلبية التي كانت تثأر عقب هذه التدخلات بدأت تبحث في تجديد آليات اشتغالها لتتحكم في الانتخابات بطرق غير مباشرة، ومن بين أهم هذه الوسائل لضبط النتائج والتوازنات الأعيان الذين وصلوا خلال هذه المرحلة إلى درجة متقدمة من حيث الفعالية، بحيث أصبح بإمكان الدولة أن تقف أمام العالم معلنة عدم تدخلها المباشر في الانتخابات وأصبح بإمكان وزارة الداخلية أن تقبل بوجود مراقبين دوليين يشرفون على سير العملية الانتخابية، لأنها أصبحت تمتلك وسيلة ناجعة للتدخل وهي الأعيان.
أعيان الانتخابات مفهوم تطور عبر مراحل تاريخية، ووصل إلى مراتب متقدمة باعتبارهم اليوم أقوى حزب في المغرب، هو حزب غير قانوني ولا معروف. ولكنه موجود بالفعل والقوة، لأن أنصاره يتوزعون داخل عدد من الأحزاب وعلى رأسها الأحزاب المتواجدة بالحكومة، فلكل نسبته وحصته منهم.
هذا الأمر يفسر لنا ظاهرة أصبحت منتشرة بالوسط السياسي المغربي معروفة باسم الرحل. فهذا الترحال الدائم من حزب لآخر مرتبط بإرادة الدولة التي تحركهم وفق اتجاهات محددة حسب ما تقتضيه مصلحة هذه الدولة وأهدافها، لأن ولاءهم الأول والأخير يكون لحزبهم الكبير “حزب أعيان الانتخابات”. والذي يضع نفسه رهن أجهزة الدولة في إطار تبادل المصالح والحرص على ضبط التوازنات، وبالمقابل يستفيدون من امتيازات في شكل تلاعبات وصفقات مشبوهة..
ذلك هو الوضع الذي يمكن من خلاله قراءة حضور أعيان الانتخابات في المشهد السياسي المغربي، والأدوار المحتملة بل الأكيدة التي سيلعبونها خلال الانتخابات المرتقبة، أي أن التوازنات المفترضة التي تريدها الدولة سوف تتحكم في ضبط آلياتها عبر هؤلاء الأعيان.
أما استعمال المال فهو إحدى الوسائل التابعة، لأن الأعيان يستعملون في العادة إما المال أو نفوذ الإدارة بطرق غير مباشرة.
إستثمار الفقر
الملاحظ أن أعيان الانتخابات لم يعد موقعهم محدداً فقط داخل ما يعرف بأحزاب الإدارة، ولكنهم انتقلوا للتموقع داخل أحزاب محسوبة على الصف الديموقراطي , بماذا تفسرون هذا التحول ؟
**يمكنني القول ببساطة بأن الدولة قد أتمت في أواخر عهد الحسن الثاني تأطير المجتمع وهيكلته سواء على المستوى الإداري أو عبر أعيان الانتخابات الذين يتم انتقاؤهم وفق مواصفات خاصة للعب أدوار خاصة وفق منطق المصالح المتبادلة .
فنظام أعيان الانتخابات بالمغرب يوضح حسب أطروحة الحزب الاشتراكي الموحد في تحليله للوضع ببلادنا أن الفساد بنية منظمة، وليست مرضاً عارضاً يمكن علاجه فقد تمت هيكلته على مدار نصف القرن الماضي وحتى قبل الاستقلال.
في هذه المرحلة يأخذ فساد الانتخابات شكل تحكم أعيان الانتخابات ومن خلالهم الدولة التي تتحكم بالأحزاب عن طريق هؤلاء الأعيان، لأنهم وفي مجموع التراب المغربي يتحكمون في نسبة مهمة من الهيئة الانتخابية بوسائل مختلفة.
ويشكل الفقر هنا مجالاً للاستثمار في الفساد الانتخابي، ومن حقنا أن نقول تبعاً لذلك بأن الفقر هو مجال للاستثمار السياسي، فهناك تناقض جوهري بين محاربة الفقر واستمرار بنية الفساد الانتخابي، بنية أعيان الانتخابات المنتشرة على امتداد الوطن سواء في البوادي أو المدن والمقدرة بهذا المعنى رصيد أساسي مكمل لدور الأعيان، والدليل على ذلك سوق الأصوات التي تشترى بأثمنة بخسة وجحافل الشباب التي تجند بأتفه الأجور على مدار الحملة الانتخابية لان الفقر يفقد الإنسان في الغالب الأعم كرامته.
بعد ترسخ هذه الظاهرة من خلال الأحزاب الإدارية بدأت الأحزاب الوطنية تتوصل إلى استنتاجات مفادها أنها لا يمكنها تحصيل مقاعد انتخابية من دون الاستعانة بالأعيان وهم يحتكرون قطاعات واسعة من الناخبين ومن ورائهم الدولة.
فكانت هذه الأحزاب الوطنية الديمقراطية إزاء اختيارين، إما الاستمرار في نهج المطالبة بديمقراطية حقيقية من خلال رفع يد الدولة عن مجال الانتخابات أو أنها تقبل بما سمي بالحلول الوسط من خلال تحصيلها نسبة من الأصوات آتية عبر أعيان الانتخابات.
وأذكر هنا بأحد اجتماعات الكتابة الديمقراطية خلال فترة التوافق حول النسبية إبان تطبيقها لأول مرة في 1997، أن عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي عبد الواحد الراضي قدم تحليلاً من هذا المنطق بحكم معرفته بمناطق نفوذ الأعيان، وكان ممثلو أحزاب الكتلة الأربعة حاضرين خلال هذا الاجتماع، ولا أحد منهم اعترض على هذا التحليل، وعلى أساس هذا التحليل اتفق داخل الكتلة على المطالبة بالنسبية، لأن هذا المطلب يحد مؤقتاًمن سيطرة الأعيان، ولكن سيطرة هؤلاء كانت قد تجاوزت إمكانية أن تحد منها النسبية، وخصوصاً أن الانتخابات باللوائح النسبية كانت قريبة من الانتخابات الفردية، لذلك فإن الأحزاب الوطنية قد قبلت بوعي أن تستعين في المناطق التي لديها وجود ضعيف بخدمات الأعيان للرفع من عدد مقاعدها. وفي نفس الوقت أصبحت الدولة تعطي تعليماتها للأعيان من أجل الالتحاق بهذه الأحزاب الوطنية وعبرهم توجه تعليماتها للمسؤولين الإداريين  والجهويين من أجل تدعيم حظوظهم الانتخابية.
وهنا مكمن الضرر العميق للعمل السياسي بالمغرب، لأن الدولة نجحت في استقطاب من كانوا إلى عهد قريب يحاربون الفساد الانتخابي.
وهذا أيضاً يجعل مسؤولية الحزب الاشتراكي الموحد كبيرة كواحد من أقطاب اليسار والذي أصبح اليوم مؤتمناً على كل الرصيد النضالي المطبوع بالنزاهة سواء في الانتخابات أو خارجها.
التسابق إذن أصبح محموماً بين الأحزاب الوطنية والإدارية للظفر بالأعيان ولم يعد ممكناً التوجه نحو المواطن، وهو ما يوحي بأن الصراع في الانتخابات، المرتقبة سوف يكون حول من يملك مفاتيح هؤلاء الأعيان، ومن هنا يأتي الفرق بين الأحزاب النظيفة وطريقة خوضها لحملتها ومنهجها في التعامل مع المواطن وتلك التي تتجه مباشرة الأعيان  من أجل رفع نسب التصويت.
وبالتالي سنكون إزاء قوتين خلال هذه الانتخابات إحداهما تتمركز وراء الأعيان تضم جميع الأحزاب التي تقبل بالنظام القائم وترغب في الوصول إلى الحكومة ولا أستبعد أن يصاب حزب العدالة والتنمية أيضاً بمرض الأعيان.
وفي المقابل نجد قوة أخرى تتجه إلى المواطن مباشرة وتحارب الفساد الانتخابي معتبرة هذه المعركة سياسية بالدرجة الأولى.
حول الإصلاح السياسي
 الدولة أعلنت ولأكثر من مرة اكتمال حلقة الإصلاح السياسي والمؤسساتي، جزء هام من قوى الصف الوطني التقدمي رضيت أن تعوض مفاهيم الإصلاح السياسي والدستوري وفصل السلطة ألا ترى أن موازين القوى مختلة ولصالح القوى المناهضة للتغيير؟
** ميزان القوى مختل لصالح قوى الفساد وأعداء الديمقراطية وهي أيضاً في موقع المصارع والخائف على مصالحه، فميزان القوى معقد فيه جوانب لصالح قوى التغيير واليسار المعارض وكل شرفاء البلاد، وهناك عناصر في صالح قوى معارضة الدمقرطة.
الوقائع الموضوعية الكبرى لصالح التغيير أي أن السياسة المعادية للإصلاح فشلت عدة مرات وتحاول هذه الفترة استرجاع المبادرة للتغطية على فشلها، لذلك  عملت على الاستعانة ببعض القوى الديمقراطية، وهذا مؤسف لأن هذه القوى قدمت تنازلات مقابل أوهام ووعود.
دورنا في الحزب الاشتراكي الموحد واليسار المعارض وكل القوى النضالية الواسعة المتواجدة في المجال الحقوقي والنقابي والثقافي والفني أن يكون أكثر فعالية وعقلانية.
الاتجاه الآن واضح بين تجميع القوى الحية الديمقراطية والتشبث بخط إصلاح النظام السياسي عبر إصلاحات دستورية وسياسية، إصلاح الأوضاع الثقافية والاقتصادية. ثم الربط ما بين النضال في المؤسسات والنضال  إلى جانب الشعب خاصة بالمناطق المحرومة في البادية والمدن الصغرى والمتوسطة. حيث يمكننا القول إن الطاقات المناضلة في هذه الجهات المهمشة كبيرة جداً.
ولذلك فيجب أن نعلن صراحة مطالبتنا المستمرة بإصلاح النظام السياسي بالمغرب، وأن الذهاب في الإصلاح إلى العمق من شانه أن ينقذ البلاد اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً في الداخل وفي الخارج. مستقبل المغرب رهين بإصلاح عميق، ولا ننتظر أن يقول أحد بضرورة عدم مناقشة ما لا يناقش.
يجب أن نقول أن وجودنا رهين بهذا الخط ولن نقبل أوامر بخصوص مسارنا لأنه مسار معروف، ونحترم على أية حال من يخالفنا الرأي ولا نقبل بفرض رأينا على الآخر مثلما لا نقبل من أحد أن يفرض رأيه علينا.
 هناك هجمة هدفها إبلاغ رسالة مفادها أن المغرب قد بنى مؤسساته، وأن من يقدم أجوبة تقنية ويتناغم مع سياسة معدة سلفاً هو المطلوب، الرسالة اليوم توجه عبر قمع الصحافة الشابة والمناضلة.. ما تعليقكم؟
**قد يكون هذا صحيحاً، لأن التطورات الحاصلة الآن وقبيل الانتخابات تدفع بالأمور نحو الحدة، لان الدولة تضغط داخل مجال ليس من حقها التواجد فيه، ويؤكد استمرار إرادة الدولة في التحكم بالمجتمع، بما فيها الأحزاب التي يفترض أنها تعبر عن إرادة المجتمع. فلاحق للدولة أن تصدر لها تعليمات حول خطها السياسي.
لكن في نفس الوقت هذه المسألة تؤكد الوجه الإيجابي لطرح الحزب الاشتراكي الموحد باعتباره طرحاً واقعياً يؤشر على وجود اختيارين، أحدهما يقول بأن ديمقراطية المغرب هي ديمقراطية خاصة ولا يمكنه التمتع بالديمقراطية كما هي معترف عليها عالمياً، لأنها محدودة ومتحكم فيها، سواء على مستوى الحكومة أو الانتخابات أو دور البرلمان والقضاء وجميع المؤسسات في المغرب من أدناها إلى أعلاها.

ليبقى مجال تنافس  الأحزاب حول كيفية تطبيق هذه السياسة المقررة، وقد صارت الليبرالية بذلك من مقدسات البلاد، كما ورد في الخطاب الأخير. وهذا يجعل الأحزاب التي تخلت عن أفكارها إزاء ضرورة التعبير عن مواقفها، مطالبة بإعلان حقيقة مواقفها. 

أجرى الحوار: أحمد مقبول وأحمد دابا
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

0 commentaires:

إرسال تعليق

Item Reviewed: د. إبراهيم ياسين : لا نقبل تقييداً لخطنا الحزبي حول إصلاح النظام السياسي Rating: 5 Reviewed By: Unknown
Scroll to Top