في الثامن عشر من مارس عام 1871 رُفعت راية الثورة العمالية على قاعة بلدية باريس لتعلن ميلاد “كومونة باريس” أول دولة عمالية في التاريخ. وأصيب العالم الرأسمالي بالفزع لدى رؤيته راية العمال مرفوعة في قلب أوربا مهددة بسقوط رأس المال في العالم كله.
ورغم أن كومونة باريس لم تستمر أكثر من 72 يومًا فقط، حيث سقط آخر مقاتليها في 28 مايو 1871، إلا أنها في هذه الأيام القليلة استطاعت طرح مهام الثورة الاشتراكية وقضية تحرر الطبقة العاملة على أرض الواقع، وأظهرت للعالم كله كيف تكون الدولة العمالية وديكتاتورية البروليتاريا وحقيقة شعار يا عمال العالم اتحدوا. كذلك أظهرت الكومونة كيف تحارب البرجوازية بكل وحشية أي محاولة لبناء المجتمع الجديد. إلى جانب ذلك أكدت الكومونة أهمية ودور الحزب الثوري في نجاح واستمرار الثورة العمالية.
فكيف كانت أول دولة عمالية؟ وكيف طرحت مهام الثورة الاشتراكية وكيف انهزمت؟
إعلان الكومونة:
كان من الواضح منذ منتصف القرن التاسع عشر استحالة قيام أي ثورة في فرنسا دون أن تكون للطبقة العاملة الفرنسية اليد العليا فيها. وكان ذلك نتيجة للتطورات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها فرنسا وقتها حيث انتشرت الصناعات الوليدة والورش والمعامل مما أدى إلى زيادة حجم الطبقة العاملة وتمركزها خاصة في باريس وأيضًا في ليون ومرسيليا.
وقد تزامن هذا مع وضوح الاستقلالية السياسية للطبقة العاملة منذ ثورة 1848 بالرغم من هيمنة الأفكار البرجوازية الصغيرة على حركتها من ناحية البلانكية وهي أفكار تقوم على مجموعة صغيرة تستولي على السلطة وتحقق الاشتراكية. ومن ناحية أخرى أفكار برودون التي تقوم على تخليد الملكية الخاصة الصغيرة ورفض الثورة العمالية والصراع الطبقي.
وكان تطور الأحداث كافيًا لإحداث تغيير شامل في تلك الأفكار وإلقاء مهام طبقية ووطنية على عاتق الطبقة العاملة كانت تحاول القيام بها لأول مرة. ففي يوليو 1870، قام شارل لويس بونابرت (نابليون الثالث) بشن حرب ضد بروسيا (ألمانيا) في إطار مطامعه الاستعمارية. واحتج عمال باريس على الحرب وكذلك عمال ألمانيا. وأصدرت جمعية الشغيلة العالمية (الأممية الأولى) بيان يوضح طبيعة تلك الحرب والموقف منها. أكد البيان أن:
“إن الحرب من أجل التفوق أو الحرب لمصلحة أسرة مالكة لا يمكن أن تكون في نظر العمال إلا جنونًا مجرمًا. فنحن نريد السلام والعمل والحرية. ونحن نعلن أن جميع عمال العالم كله هم أصدقاؤنا وأن طغاة العالم كله هم أعداؤنا”.
هكذا وقفت طليعة العمال الممثلة في مندوبي الأممية ضد الحرب.
وقد انتهت حرب شارل لويس بونابرت بهزيمته وأسره عند منطقة “سيدان” في 2 سبتمبر 1870 ليسقط عرض الإمبراطورية في فرنسا ويتم إعلان الجمهورية في باريس في 4 سبتمبر. وتتكون حكومة الدفاع الوطني التي كانت تمثل بالأساس (الرأسماليين والملاك العقاريين وطفيليي الدولة من كبار الموظفين). وصاحب إعلان الجمهورية تحول ألمانيا من الحرب الدفاعية إلى حرب ضد الشعب الفرنسي. وهو أمر كانت تزمعه الزمرة العسكرية البروسية منذ اللحظة التي اتضح فيها فساد العسكرية البونابرتية. وكان العائق الوحيد أمام القيام بذلك هو الالتزام الأخلاقي لغليوم بأن الحرب ضد نابليون وليست ضد الشعب الفرنسي وأنه حتى التغلغل العسكري “الألماني في أراضي فرنسا كان لأسباب دفاعية. لكن سياسة هؤلاء لا تعترف بالأخلاق فأطلقوا أسد الوطنية البرجوازي (الذي ظهر طوال العقود الماضية بمظهر لا مثيل له من التذبذب والعجز والجبن ليطالب بتقسيم فرنسا من أجل ضمان أمن ألمانيا.
هكذا استلمت البرجوازية الفرنسية السلطة والجيش الألماني يهاجم حدود فرنسا ويهدد باقتحام باريس. فكانت الوسيلة الوحيدة للوقوف أمام القوات الألمانية هي تسليح وتنظيم سكان باريس الذين تتكون غالبيتهم من العمال والذين كانوا منظمين بالفعل فيما يسمى بـ”الحرس الوطني” وهو ما كان عبارة عن جيش شعبي يضم العمال وصغار الموظفين وفقراء باريس وإن كانت أغلبيته من العمال.
وهنا أدركت حكومة “الدفاع الوطني” البرجوازية أن انتصار باريس على القوات الألمانية يعني في الوقت نفسه انتصار العامل الفرنسي على الرأسمالي الفرنسي. لقد أدركت البرجوازية الفرنسية أن عليها الاختيار بين الدفاع عن فرنسا وبين مصالحها الطبقية أي بين تسليم فرنسا لألمانيا وتسليم السلطة للعمال. وكعادة الحكومات البرجوازية التي لا تتردد عندما يتعلق الأمر بمصالحها الطبقية فقد قامت حكومة الدفاع الوطني بالاستسلام لقوات بسمارك وتوقيع معاهدة استسلام في 28 يناير 1871 تنص على تخلي الحكومة الفرنسية عن إقليمي الإلزاس واللورين (على حدود ألمانيا) لألمانيا وكذلك دفع غرامة مالية تبلغ 5.000 مليون فرنك.
وهربت حكومة الدفاع الوطني من باريس إلى فرساي متحولة بشكل واضح إلى حكومة خيانة وطنية وبادئة في تنفيذ دورها الأساسي الذي رسمته المعاهدة وهو قمع عمال باريس ونزع سلاحهم. فقامت بإعدام بلانكي الثوري الفرنسي الشهير!! ومنعت الصحف العمالية والمعارضة وأخيرًا حاولت نزع سلاح الثورة الذي كان في يد الحرس الوطني والعمال والذين كانوا العقبة الأساسية أمام هذا الاستسلام المخزي فقام “تيير” رئيس حكومة الدفاع الوطني في 18 مارس 1871 بمحاولة الاستيلاء على مدفعية الحرس الوطني متعللاً بحجة كاذبة هي أن تلك المدفعية هي ملك ويجب إعادتها إليها!! ردًا على هذه المحاولة وفي نفس اليوم قام عمال باريس المسلحون بالاستيلاء على بلدية باريس وإعلان اللجنة المركزية للحرس الوطني استلامها للسلطة معلنة في أول بيان لها:
“إن بروليتاريي باريس وسط إخفاقات وخيانات الطبقات الحاكمة فهموا أن الساعة قد دقت لهم لإنقاذ الوضع وذلك بأن يأخذوا بأيديهم الخاصة توجيه الشئون العامة”.
هكذا انبثقت كومونة باريس بشكل عفوي. فقد أدت الحرب الفاشلة ضد ألمانيا وآلام الحصار، والبطالة الواسعة في صفوف العمال والخراب في صفوف البرجوازية الصغيرة، ومحاولة الحكومة البرجوازية أن تجعل العمال وجموع الفقراء يدفعون فاتورة الحرب إلى زيادة سخط الجماهير على الطبقات الحاكمة وعلى الحكومة البرجوازية الخائنة وتبلور التذمر في صفوف الطبقة العاملة. وجاءت محاولة الاستيلاء على سلاح العمال لتفجر الموقف دافعة عمال باريس وأهاليها للقيام بالثورة التي وضعت السلطة في يد الحرس الوطني.
وبدأت السلطة الجديدة التي تحكم من أسفل بانتخاب أعضاء الكومونة في 26 مارس وذلك بالاقتراع المباشر ثم إعلانها بعدها بيومين لصبح أول سلطة عمالية منتخبة في التاريخ. لقد وجدت سلطة الطبقة العاملة الثائرة على النظام القديم أنه عليها أن تأخذ على عاتقها مهمتين: الأولى مهمة وطنية عامة وهي تحرير فرنسا من الجيش الألماني والثانية طبقية وهي تحرير العمال من الرأسمالية. وأدرك العمال بغريزتهم الثورية أن القيام بهاتين المهمتين لن يتم إلا بتحطيم جهاز الدولة البرجوازي حيث إن سلطة الدولة البرجوازية القائمة على البرلمان والجيش الدائم والشرطة والبيروقراطية ورجال الدين والهيئات القضائية ما هي إلا سلاح في يد البرجوازية والطبقات الحاكمة وأداة لسيطرتها الطبقية يجب استبدالها بدولة العمال.. كومونة باريس.
كانت الكومونة (هيئة عاملة) تجمع في يدها السلطتين التنفيذية والتشريعية حيث يقوم أعضاؤها (الذين كان معظمهم من العمال أو من ممثليهم المعترف بهم) بسن القوانين وتنفيذها في نفس الوقت. فقد كانت الكومونة هي الشكل السياسي الذي كونته الطبقة العاملة كبديل للبرلمانات البرجوازية التي تتلخص ديمقراطيتها في حرية اختيار من ممثلي الطبقات الحاكمة سيقوم بقمع وسحق الشعب. في هذا الشكل الجديد “الكومونة” كان يمكن إلغاء تفويض أي عضو في أي وقت عن طريق الاقتراع المباشر وتقوم الكومونة بنشر تقارير جلساتها والإعلان عن قراراتها وأعمالها للجماهير. وكانت جميع المناقشات علنية حيث ليس لدى دولة العمال ما تخفيه.
أعطت الكومونة درسًا للجميع فيما تكون ديكتاتورية البروليتاريا وكيف تكون الديمقراطية العمالية وكيف تتحول الدولة من أداة قمع الأغلبية على يد الأقلية إلى أداة في يد الأغلبية لتحقيق مصالحها. علق أنجلز على الكومونة قائلاً:
“هل تريدون أيها السادة الأعزاء أن تعرفوا كيف تكون هذه الديكتاتورية (ديكتاتورية البروليتاريا) فلتلقوا نظرة على كومونة باريس.. لقد كانت هذه هي ديكتاتورية البروليتاريا.”
فقد قامت الكومونة في فترة صمودها القصيرة التي لم تتعد في الوقت ستين يومًا بالعمل على تحقيق مهام الثورة الاشتراكية فقامت بإصلاحات سياسية واقتصادية هائلة توضح طبيعة تلك الدول العمالية. فمن ناحية الإجراءات السياسية قامت الكومونة بإلغاء الجيش الدائم والاستعاضة عنه بالعمال المسلحين “الحرس الوطني” وتم إلغاء التجنيد الإجباري حيث الانضمام طواعية للحرس الوطني وتم إلغاء التجنيد الإجباري حيث الانضمام طواعية للحرس الوطني فأتاحت لأول مرة في التاريخ الفرصة للجندي لأن يدافع عن مصالحه وعن دولته وليس مصالح قادته وحكامه. فصارت فكرة الجيش الشعبي واقع حي يظهر للعيان دولة من هذه.
أيضًا تم إلغاء الشرطة والاستعاضة عنها بالدوريات العمالية المسلحة. وقد ساعد تلك الدوريات غير المنفصلة عن الشعب والطبقة العاملة كون أن باريس تحولت منذ الثورة إلى مدينة هادئة بلا جرائم وبلا حوادث سرقة أو قتل تقريبًا. فقد انصهر الجميع في النضال لبناء الدولة العمالية والدفاع عنها ضد البرجوازية. فقد خرجت البرجوازية من باريس وخرجت معها أمراضها الاجتماعية وتحولت باريس الماجنة إلى باريس مفكرة، مناضلة وهادئة أيضًا.
وألغت الكومونة أيضًا استقلالية القضاء الوهمية وجعلت القضاء بالانتخاب وقننت محاسبتهم وفصلهم بواسطتها. إلى جانب ذلك ألغت أيضًا جميع الامتيازات البيروقراطية لرجال الدولة وأعضاء الكومونة أنفسهم في محاولة (تتم لأول مرة في التاريخ) مساواة العمل اليدوي بالعمل الذهني حيث جعلت مرتبات الموظفين بما فيها أعضائها لا تزيد عن مرتب العامل وحددته بـ 6000 فرنك شهريًا. ولكي نفهم التغيير الذي جاءت به الكومونة تجب الإشارة إلى أن مرتب تيير رئيس حكومة الدفاع الوطني كان 250000 فرنك شهريًا!!
كذلك أصبحت جميع الوظائف بالانتخاب لتطبق لأول مرة ديمقراطية الإدارة الحقيقية. وأظهر العمال البسطاء حنكة مدهشة كرجال دولة يقودون المجتمع ويديرونه بكل كفاءة هادمين دعاوي البرجوازية إنها الوحيدة التي تمتلك الفكر والمهارة والذكاء كمبرر للانقسام الطبقي. وقام العمال بمهمتهم بقدر ملحوظ من النزاهة والاستقامة شهد به أعداؤهم.
أيضًا قامت الكومونة بفصل الكنيسة عن الدولة وحررت جميع المؤسسات السياسية والمناهج التعليمية من أية شوائب دينية أو أوهام طبقية خاصة بالدين معيدة له كونه علاقة شخصية متعلقة بضمير الإنسان وليس أداة في يد السلطة لتبرير الظلم والاستغلال والاضطهاد. وجعل التعليم إلزاميًا ومجانيًا.
هذا وقامت الكومونة بهدم مسلة النصر في ميدان فاندوم وهي المسلة التي بناها نابليون بونابرت بعد صهر مدافع الجيوش التي هزمها والتي كانت رمزًا للغطرسة القومية الفرنسية.. وذلك لأن راية الكومونة كانت هي راية الجمهورية العالمية التي توحد العمال ضد الرأسمالية والطغاة في العالم كله. في هذا الإطار قامت الكومونة بتثبيت الأجانب في وظائفهم بل كان هناك وزير ألماني في الكومونة وكان من أشرس المدافعين عنها ضد جيوش ألمانيا الغازية. وانضم أيضًا عمال بولونيين للكومونة وسقطوا جنبًا إلى جنب مع عمال باريس دفاعًا عن رايتها.
أما الإجراءات الاقتصادية التي قامت بها الكومونة فلم يسمح لها الوقت القصير والتشويش الناتج عن أفكار برودون “الاقتصادية” بأن تكون عميقة وكافية. لكن هذا لا يعني أن الكومونة لم تجر بعض الإجراءات الهامة. فتم منع العمل الليلي بالمخابز وإلغاء جميع ديون الإيجارات على الفقراء وهي الديون التي كانت قد تراكمت في فترة الحرب، وتم إنقاص ساعات العمل وتحسين ظروفه وسكن العمال. وشرعت في تأسيس الرقابة العمالية وكان من أهم إجراءاتها في ذلك تسليم جميع الورش والمعامل التي فر أصحابها إلى جمعيات العمال لإدارة العمل بها. ولكن في الوقت نفسه ونتيجة للتشوش وعدم الحسم لم يتم الاستيلاء على بنك فرنسا (باريس) المركزي الذي كان الاستيلاء عليه سيمثل ضربة قاتلة للبرجوازية تجبر ألمانيا على التفاوض مع الكومونة وسحب دعمها لجيش فرساي ولو مؤقتًا.
وحاولت الكومونة ضم الفلاحين الفقراء والبرجوازية الصغيرة وأعلنت أن مصالحهم مع بقاء الكومونة وسلطة العمال. وحررت الفلاحين من الضرائب والغرامات المتراكمة عليهم وألغت ديون صغار الباعة والحرفيين والتجار التي كانت عليهم منذ نشوب الحرب. لكن عزلة باريس عن بقية الأقاليم الفرنسية جعل معظم الفلاحين الفرنسيين لا يعرفون مغزى ولا أهداف الكومونة. فقليلون فقط منهم هم الذين وصلهم نداء الكومونة الذي كان فيه موقفها من الفلاحين الفقراء:
“إن باريس تريد، اصغ إلى هذا جيدًا، يا عامل الريف، المالك الصغير، إن ما تريده باريس هو الأرض للفلاح، الأجرة للعامل، والعمل للجميع”.
ولعل عدم وصول هذا النداء للفلاحين كان من العوامل التي زادت من عزلتها ومحاصرتها مما أدى في النهاية إلى الهزيمة على يد جيش فرساي.
النهاية:
لم تقف البرجوازية ساكتة وهي ترى الكومونة تهدد سلطة رأس المال بهذا الشكل فرأت أن عليها أن تتحد لمواجهة هذا الخطر. فاتحد أعداء الأمس بسمارك وتيير لمواجهة عمال باريس.. فقام بسمارك بتأجيل دفع حكومة فرساي للغرامة حتى تتم تهدئة باريس “على حد قوله”. كذلك أطلق الجيش الألماني سراح 100000 أسير فرنسي وذلك لينضموا إلى جيش فرساي بقيادة تيير ولكن هذه المرة لمواجهة وسحق عمال باريس وخطر الاشتراكية.
هكذا بدأ جيش فرساي المدعوم من ألمانيا في مهاجمة باريس المحاصرة وفي 21 مايو 1871 استطاع دخولها مقترفًا مذابح لا مثيل لها في تاريخ فرنسا من حيث دمويتها. فقد قام جيش فرساي بقتل الآلاف من الأسرى والرهائن في بداية الحب الأهلية وذلك على الرغم من تسامح الكومونة غير المبرر مع رهائن جيش فرساي مما أدى لتمادي الأخير في قتل الرهائن واضطرت الكومونة للدفاع عن نفسها بقتل 64 رهينة فقط لوقف بحر الدماء على الجهة الأخرى. وهنا صرخت أبواق البرجوازية: انظروا لهؤلاء العمال الوحشيين المجرمين!! بينما أياديها تقتل آلاف الرهائن يوميًا.
هذا وكان دخول جيش فرساي باريس مقدمة لمذابح جديدة حيث تم قتل أكثر من 20000 من سكان باريس من رجال ونساء وأطفال ماتوا في شوارعها مدافعين ببسالة عن دولتهم وعن حلمهم. وتحولت باريس إلى جهنم على يد كلاب النظام البرجوازي المتعطشين للدماء وأظهرت البرجوازية وجهها الوحشي. وعلى حد قول شهود العيان فقد احمرت مياه السين من الدماء التي تدفقت إليه.
هكذا استمر القتال لمدة أسبوع من 21 إلى 28 مايو حتى سقوط آخر مقاتلي الكومونة على مرتفعات بيفيل وفنتلمونتان. ويستولى جيش فرساي على باريس وتنتهي الكومونة نهاية مأساوية لكنها بطولية لتبقى صرخة مناضليها باقية “عاشت الكومونة” بينما يعلن تيير البرجوازي القذر فرحًا “لقد تخلصنا من الاشتراكية لمدة طويلة”.
دروس الكومونة:
إن السبب الرئيسي لهزيمة الكومونة كان عدم وجود تنظيم مستقل للطبقة العالمة ولا حزب ثوري منظم منغرس في الصراع يقود العمال الباريسيين.. بينما هيمنت أفكار بلانكي التآمرين وأفكار برودون حول وهم خلود الملكية الصغيرة. ورغم أن الأحداث وإجراءات الكومونة نفسها كانت دائمًا خارج هذا الإطار حيث كانت الكومونة تعبيرًا عن ثورة جماهيرية عمالية ولسي مؤامرة قام بها أفراد وكانت إجراءاتها الاقتصادية متجاوزة للبرودونية إلا أن بسالة العمال وبطولتهم وتفتيتهم لم تكن لتعوض غياب القيادة السياسية الحازمة مع ملاحظة ضعف تأثير جمعية الشغيلة العالمية (الأممية الأولى) على أعضاء الكومونة.
فقد أدى عدم وجود تنظيم دقيق يضم طليعة العمال، وله برنامج واضح، إلى التراخي والتردد الواضح في قرارات الكومونة خاصة المتعلقة بالاستيلاء على بنك فرنسا تلك المؤسسة الحيوية للبرجوازية الصناعية والمالية الفرنسية حيث وقفت أمام هذه المهمة مترددة بشكل غير مبرر.
كذلك التراخي في مهاجمة فرساي معقل الحكومة البرجوازية “حكومة الدفاع الوطني” مما أتاح للأخيرة الفرصة للاستعداد لمهاجمة باريس وعقد الاتفاقات مع بسمارك. وقد ظهر أثر عدم وجود الحزب الثوري بوضوح أكبر في الحرب الأهلية حيث كان كل شيء يتوقف على وحدة الإرادة والتنسيق وسرعة الفعل.
بجانب ذلك كان عزل باريس عن بقية فرنسا، وقمع الانتفاضات الثورية في ليون ومرسيليا التي هدفت لإعلان الكومونة هي الأخرى، وعدم وجود ثورات عمالية في باقي أوربا عوامل أدت إلى وقوف الكومونة بمفردها في مواجهة البرجوازيتين الألمانية والفرنسية.
ولكن رغم سقوط الكومونة فإنها تعيش في عقل ووجدان طليعة الطبقة العاملة في العالم كله مؤكدة أنه لا بديل عن الثورة العمالية لإسقاط الرأسمالية وأن أول خطوة في ثورة العمال هي تحطيم آلة الدولة البرجوازية واستبدالها بالدولة العمالية وديكتاتورية البروليتاريا. ومؤكدة أيضًا على دور الحزب الثوري الحيوي والفارق في الثورة.
لم تقف البرجوازية ساكتة وهي ترى الكومونة تهدد سلطة رأس المال بهذا الشكل فرأت أن عليها أن تتحد لمواجهة هذا الخطر. فاتحد أعداء الأمس بسمارك وتيير لمواجهة عمال باريس.. فقام بسمارك بتأجيل دفع حكومة فرساي للغرامة حتى تتم تهدئة باريس “على حد قوله”. كذلك أطلق الجيش الألماني سراح 100000 أسير فرنسي وذلك لينضموا إلى جيش فرساي بقيادة تيير ولكن هذه المرة لمواجهة وسحق عمال باريس وخطر الاشتراكية.
هكذا بدأ جيش فرساي المدعوم من ألمانيا في مهاجمة باريس المحاصرة وفي 21 مايو 1871 استطاع دخولها مقترفًا مذابح لا مثيل لها في تاريخ فرنسا من حيث دمويتها. فقد قام جيش فرساي بقتل الآلاف من الأسرى والرهائن في بداية الحب الأهلية وذلك على الرغم من تسامح الكومونة غير المبرر مع رهائن جيش فرساي مما أدى لتمادي الأخير في قتل الرهائن واضطرت الكومونة للدفاع عن نفسها بقتل 64 رهينة فقط لوقف بحر الدماء على الجهة الأخرى. وهنا صرخت أبواق البرجوازية: انظروا لهؤلاء العمال الوحشيين المجرمين!! بينما أياديها تقتل آلاف الرهائن يوميًا.
هذا وكان دخول جيش فرساي باريس مقدمة لمذابح جديدة حيث تم قتل أكثر من 20000 من سكان باريس من رجال ونساء وأطفال ماتوا في شوارعها مدافعين ببسالة عن دولتهم وعن حلمهم. وتحولت باريس إلى جهنم على يد كلاب النظام البرجوازي المتعطشين للدماء وأظهرت البرجوازية وجهها الوحشي. وعلى حد قول شهود العيان فقد احمرت مياه السين من الدماء التي تدفقت إليه.
هكذا استمر القتال لمدة أسبوع من 21 إلى 28 مايو حتى سقوط آخر مقاتلي الكومونة على مرتفعات بيفيل وفنتلمونتان. ويستولى جيش فرساي على باريس وتنتهي الكومونة نهاية مأساوية لكنها بطولية لتبقى صرخة مناضليها باقية “عاشت الكومونة” بينما يعلن تيير البرجوازي القذر فرحًا “لقد تخلصنا من الاشتراكية لمدة طويلة”.
دروس الكومونة:
إن السبب الرئيسي لهزيمة الكومونة كان عدم وجود تنظيم مستقل للطبقة العالمة ولا حزب ثوري منظم منغرس في الصراع يقود العمال الباريسيين.. بينما هيمنت أفكار بلانكي التآمرين وأفكار برودون حول وهم خلود الملكية الصغيرة. ورغم أن الأحداث وإجراءات الكومونة نفسها كانت دائمًا خارج هذا الإطار حيث كانت الكومونة تعبيرًا عن ثورة جماهيرية عمالية ولسي مؤامرة قام بها أفراد وكانت إجراءاتها الاقتصادية متجاوزة للبرودونية إلا أن بسالة العمال وبطولتهم وتفتيتهم لم تكن لتعوض غياب القيادة السياسية الحازمة مع ملاحظة ضعف تأثير جمعية الشغيلة العالمية (الأممية الأولى) على أعضاء الكومونة.
فقد أدى عدم وجود تنظيم دقيق يضم طليعة العمال، وله برنامج واضح، إلى التراخي والتردد الواضح في قرارات الكومونة خاصة المتعلقة بالاستيلاء على بنك فرنسا تلك المؤسسة الحيوية للبرجوازية الصناعية والمالية الفرنسية حيث وقفت أمام هذه المهمة مترددة بشكل غير مبرر.
كذلك التراخي في مهاجمة فرساي معقل الحكومة البرجوازية “حكومة الدفاع الوطني” مما أتاح للأخيرة الفرصة للاستعداد لمهاجمة باريس وعقد الاتفاقات مع بسمارك. وقد ظهر أثر عدم وجود الحزب الثوري بوضوح أكبر في الحرب الأهلية حيث كان كل شيء يتوقف على وحدة الإرادة والتنسيق وسرعة الفعل.
بجانب ذلك كان عزل باريس عن بقية فرنسا، وقمع الانتفاضات الثورية في ليون ومرسيليا التي هدفت لإعلان الكومونة هي الأخرى، وعدم وجود ثورات عمالية في باقي أوربا عوامل أدت إلى وقوف الكومونة بمفردها في مواجهة البرجوازيتين الألمانية والفرنسية.
ولكن رغم سقوط الكومونة فإنها تعيش في عقل ووجدان طليعة الطبقة العاملة في العالم كله مؤكدة أنه لا بديل عن الثورة العمالية لإسقاط الرأسمالية وأن أول خطوة في ثورة العمال هي تحطيم آلة الدولة البرجوازية واستبدالها بالدولة العمالية وديكتاتورية البروليتاريا. ومؤكدة أيضًا على دور الحزب الثوري الحيوي والفارق في الثورة.
اسامة عبد الله - مجلة الشرارة
0 commentaires:
إرسال تعليق