728x90 شفرة ادسنس

السبت، 12 يوليو 2014

اليسار الاشتراكي بين التحليل التبسيطي و إشكالية الهوية - عبد الغني القباج






1- و من سخرية القدر السياسي المغربي أَنْ تزامن تراجع نفوذ اليسار داخل الفئات الاجتماعية المتوسطة، خصوصا الفئات العاملة في قطاع التعليم و غالبية الموظفين في القطاع العام و الخاص... و القطاع الطلابي، و هي الفئات التي كان لها دور توعوي ديمقراطي و نضالي وسط الفئات الاجتماعية الكادحة و المحرومة، تزامن هذا التراجع مع تدهور الأوضاع الاجتماعية لهذه الفئات المتوسطة. في حين كان منتظرا أن يشكل تدهور الواقع الاجتماعي للفئات المتوسطة حافزا لها للنضال في صف الحركة السياسية و النقابية و الاجتماعية اليسارية. و بالتالي نرى أن أزمة أحزاب اليسار بقدر ماهي أزمة ذاتية لافتقاده لهوية نظرية اشتراكية واضحة مناهضة للرأسمالية المعولمة و افتقاده لمشروع مجتمعي ديمقراطي يساري شامل، بقدر ما يتجلى جوهر هذه الأزمة في تخلي معظم قوى اليسار و من ضمنها قوى اليسار المغربي، سياسيا و عمليا، عن الارتباط السياسي و الاجتماعي و الثقافي بالطبقات و الفئات الشعبية الكادحة  المستَغَلـَّة و المحرومة و الفئات الاجتماعية المتوسطة. و لاحظنا كيف انتقل الاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية و أطر يسارية راديكالية سابقا... إلى الانذماج المضطرد في بنية نظام سياسي مخزني تبعي ناهضه و قاومه هذا اليسار لمدة عقود و قدم في سبيل ذلك تضحيات جسيمة. إن تزامن عدم إيمان قوى يسارية بالهوية الاشتراكية و/أو الماركسية كان من الأسباب الأساسية لتراجع تأثيره في القوى الاجتماعية الشعبية من طبقة عاملة و فئة الفلاحين و المأجورين محدودي الدخل و فئات الكادحين و المحرومين. و قد تخلىت نخب قوى اليسار، إلا نادرا، عن النضال الفكري و السياسي اليساري الجذري و عن السعي إلى الالتحام الفعلي بالطبقات الشعبية و حركتها الجماهيرية و أصبحت ممارستها السياسية النقدية موجة للنظام السياسي أكثر من توجهها السياسية و التنظيمية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الصغار و عموم الكادحين. قد يحتج بعض يساريينا في كون ما نطرحه ينتمي إلى ما قبل انهيار الأنظمة "الشيوعية"التي بلورها النظام الستاليني الشمولي (و لا نعني هنا ستالين وحده بل نظام سياسي باكمله) و أن التاريخ الإنساني أصدر حكمه في كون البديل لهذا النظام اليساري الاشتراكي، الذي تحقق لمدة سبعين سنة، هو الليبرالية و ديمقراطيتها و الاقتصاد الرأسمالي المعولم لتبرير انذماجهم المضطرد في بنية نظام سياسي مخزني رأسمالي تبعي و ديمقراطيته الليبرالية المتخلفة التي لا تخدم أساسا سوى مصالح قوى التحالف البرجوازي الكمبرادوري السائد. و يجب هنا أن نوضح أن انهيار الاتحاد السفياتي لا يعني البثة فشل الماركسية و فشل الاشتراكية كنظام سياسي اجتماعي اقتصادي ثقافي كما يدعي إيديولوجيو الرأسمالية و عدد من يساريينا الذين لم يتجاوزوا بعد منهج التحليل التبسيطي للاحداث التاريخية و و ليست لهم رؤية يسارية ديمقراطية واضحة للمستقبل. أنهم يساريون يحتجون دون اجتهاد و نضال فكري و سياسي ملموس لبلورة تطوير نوعي و مبدع للنظرية الماركسية المرتبطة بحركة الشعب و نضاله من أجل التحرر. و لا يفهمون حركة الجماهير الأخيرة التي انتفضت في تونس و مصر و ليبيا و اليمن و لا يفهمون الانتفاضة الجماهيرية لحركة 20 فبراير في المغرب إلا في نتائجها الظرفية و لا يرون بذور التحرر و الثورة التي زرعتها في وعي و وجدان هذه الشعوب، و هي بذور لم يستطع اليسار إنضاجها سياسيا و فكريا و تنظيميا لتتحول إلى قوى ديمقراطية ثورية لتغيير جذري للواقع.

 2- هوية اليسار الديمقراطي الراديكالي تتأسس على فرضية كون الرأسمالية ليست خالدة، و ليست سوى مرحلة من مراحل تطور البشرية. و تجاوزها شرط أساسي لا مناص منه لتحرر الطبقة العاملة و عموم الفئات الاجتماعية الكادحة و الشعوب المسيطر عليها (التي تشكل 80% من البشرية) من قبل الرأسمالية الامبريالية المعولمة. كما أن تجاوز الرأسمالية الامبريالية المعولمة لن يتحقق سوى بتمفصل و ربط نضال تحرر الطبقة العاملة عالميا و بنضال تحرر الشعوب المضطهدة في العالم الثالث من سيطرة الرأسمالية. إنه المخرج الموضوعي لمواجهة تدمير الحياة و الحضارة البشرية من قبل الرأسمالية المعولمة. و بالتالي فإن التحدي الذي يواجهه اليسار الديمقراطي الراديكالي هو تحدي النضال الديمقراطي الطويل لانتقال البشرية إلى الاشتراكية. و لن يتقدم اليسار المناهض للراسمالية المعولمة إلا بإعادة تجديد الماركسية و إعادة بناء مستمرة و جديدة لأممية لتحرر عمال العالم و شعوب العالم و نضالها ضد عولمة و تضامن الرأسمالية. إن بناء أممية اشتراكية جديدة، و التي بدأت بعض ملامحها تتجسد في أمريكا اللاتينية بين طبقاتها العمالية و شعوبها، لن تتحقق سوى بقطع اليسار الديمقراطي الراديكالي مع أوهام الديمقراطية الليبرالية و بلورة بديل ديمقراطية و عولمة بديلة مناهضين للعولمة الرأسمالية الامبريالية. و مهمة القوى اليسارية الديمقراطية الجذرية هي تجاوز تصورها الحالي "للتضامن" و "المساعدات الانسانية" و بلورة خطة سياسية و استراتيجية الارتباط بنضال الطبقات الشعبية و بنضال العمال و العاملات و مد جسور النضال اليساري مع قوى اليسار و شعوب الجنوب من أجل التحرر من السيطرة الرأسمالية المعولمة الامبريالية. و تلك مهمة كل اليساريين و اليساريات المؤمنين فعلا بتحرر الشعب المغربي و طبقاته الشعبية من سيطرة النظام السياسي المخزني التبعي و بناء مجتمعه الديمقراطي المفتوح على التحول الاشتراكي، و في نفس الوقت بانخراطه في نضال شعوب العالم من أجل تحررها من سيطرة الرأسمالية الأمريكية و الأروبية المعولمة.
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

0 commentaires:

إرسال تعليق

Item Reviewed: اليسار الاشتراكي بين التحليل التبسيطي و إشكالية الهوية - عبد الغني القباج Rating: 5 Reviewed By: Unknown
Scroll to Top