728x90 شفرة ادسنس

الأربعاء، 28 مايو 2014

الوثيقة السياسية للمؤتمر الثاني لحزب اليسار الاشتراكي الموحد

الوثيقة السياسية

 
جانب من قيادات اليسار المغربي ضيوف المؤتمر
منذ مؤتمره التأسيسي دشن اليسار الاشـتراكي المـوحد مشـروعه الـسياسي بالعملية التوحـيدية التي جمعت أربـع مكونات يسارية مغربية بهدف إدماجها في حزب موحد .
       وكانت هذه البادرة في حد ذاتها معقد كثير من الآمال بقدر ما كانت محط تخوفات و تساؤلات , وذلك بحكم ما شكلته من تحد وتجاوز لما ظل سائدا في المشهد السياسي عموما , وفي صفوف اليـسار والديمقراطيين على الخصوص , مــن مـظاهر التشرذم و الانقسامات .
       لقد أكد اليسار الاشتراكي الموحد منذ انطلاقته الأولى على خيار التحول الديمقراطي , باعتباره خيارا استراتيجيا ومستقبليا تفرضه الضرورات الموضوعية لصراع القوى وتوازنها في إطار التطور الذي يجتازه المجتمع المغربي , وباعتباره كذلك خيارا يستجيب لمتطلبات تعبئة وإشراك أوسع الطبقات والفئات الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير والتحديث .
      على هذا الأساس سعى الحزب إلى بناء منظور فكري وسياسي للتغيير الاجتماعي, حدد معالمه على أنه منظور ديمقراطي وتحديثي ذو آفاق اشتراكية, وهو يرتكز على المقومات والمبادئ السالفة الذكر.

      وقد أكد المؤتمر التأسيسي للحزب على ضرورة تبني خط النضال الديمقراطي الجماهيري , وذلك انطلاقا من تشبث الحزب بالرصيد النضالي لليسار , والرصيد الإيجابي للحركة الجماهيرية والديمقراطية . وتم التأكيد على أن التجارب السابقة التي مرت منها البلاد أثبت فشل جميع الخطط التي حاولت التخفيف من حدة الاختناق الاجتماعي والسياسي الذي يعاني منها مجتمعنا , دون المساس بنظام الامتيازات والاستبداد والحكم الفردي الذي أطر الوضع العام في بلادنا طيلة عقود من الزمن . وفي هذا الإطار أكد الحزب رفضه لكل أشكال التوافقات المغشوشة والمفروضة التي ظلت تستهدف تبرير استمرار الثوابت المخزنية , وضيعت على بلادنا فرص الدخول في مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية . وبالتالي  تم التأكيد على الخصوص , فيما يخص رهانات الإصلاح , على ضرورة إعطاء الأهمية للإصلاحات الدستورية والسياسية البنيوية , وذلك باعتبارها مدخلا أساسيا لإخراج البلاد من دوامة الاستبداد والتعسف والفساد المالي والإداري والمؤسسات الصورية وانعدام الفعالية والمراقبة، ووضع البلاد في اتجاه إقامة نظام برلماني حيث الملك يسود ولا يحكم . نظام مبني على مبدأ المراقبة والمساءلة والفصل الحقيقي للسلط , وعلى المؤسسات والجهات المتوازنة التي تمارس فعليا صلاحياتها وسلطاتها المحددة بالقانون .
ومن هذا المنظور الفكري والسياسي الذي وضع المؤتمر التأسيسي لبناته الأولى , انطلقت تجربة الحزب بأبعادها وأهدافها المتعددة , وعلى رأسها تثبيت الوحدة وتدعيم صيرورة الاندماج , وبلورة المشروع السياسي والمجتمعي , في إستراتيجية عملية تستهدف الارتباط الوثيق بالنضال اليومي لأوسع الفئات والطبقات الشعبية المغربية ومطالبها العامة والجماهيرية .

وإذا كان وجود الحزب في بعض المجالات وحضوره النسبي في بعض المحطات , يسجل الوجه الإيجابي لتجربتنا منذ المؤتمر التأسيسي , فإن ذلك لا يمكن أن يخفي جوانب الضعف والارتباك والارتجال التي لازمت الأداء الحزبي على عدة مستويات , وطبعت هذه التجربة بعدة سلبيات , على أن استنهاض عمل الحزب وتقوية الروح النضـالية بيـن صفوفـه يتطلبان العمل بقوة من أجل إحداث القطيعة مع السلبيات التي طبعت المرحلة السابقة , وبالتالي وضع الخطط والبرامج الكفيلة بتجاوزها في المستقبل .


      لقد حقق حزبنا ماحقق في  ظل تجربة سياسية محدودة لم تتجاوز السنتين , قرر بعدها عقد مؤتمره الأول . ومن الواضح أن الحرص على عقد المؤتمرات الحزبية في إبانها ,  يحمل في حد ذاته مؤشرات إيجابية تعبر عن الرغبة في التقاط أسئلة الممارسة ومحاولة الإجابة عليها , وخلق دينامية للتطور , وانطلاق تجربة جديدة . وبالتالي فإن العمل التحضيري للمؤتمر لا بد أن يوفر لأعضاء الحزب ومناضليه فرصة لمراجعة ونقد ما قاموا به من أعمال وممارسات سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الوطني.
          إن انعقاد المؤتمر الأول للحزب لا يمكن أن يشكل هدفا في حد ذاته, بل المطلوب من ورائه هو العمل لتجاوز سلبيات التجربة السابقة، وبالتالي إحداث الطفرة المنشودة في عملنا الحزبي.
          غيرأن تحقيق هدا الهدف يتطلب بالإضافة إلى النظرة النقدية لتجربة الحزب خلال السنتين الماضيتين الفاصلتين عن مؤتمره التأسيسي،تأسيس عمل الحزب على معرفة متقدمة وشاملة ما أمكن بتحولات الوضع السياسي على الصعيد العالمي والجهوي والإقليمي العربي،وبتناقضاتها واحتمالات تطورها،ودلك من أجل الإمساك بحلقات التفاعل الجدلي بين مستويات نضال الحزب على تلك الأصعدة والفعل فيها كلها بانسجام وفعالية.






I– في الوضع العالمي

تميزت بداية العقد الأخير من القرن العشرين بانهيار الاتحاد السوفايتي وسقوط جدار برلين ومنظومة أوربا الشرقية. وشكل هذا الانهيار والسقوط نهاية للثنائية  التي ميزت الوضع الدولي مند نهاية الحرب العالمية الثانية: قطب الرأسمالية الإمبريالية بزعامة الولايات الأمريكية المتحدة وقطب الاشتراكية البيروقراطية بزعامة الاتحاد السوفياتي .
     بدلك،دخل العالم مرحلة جديدة سمتها  عدم الاستقرار واستحكام الأزمات السياسية الاقتصادية الهيكلية والصراعات العسكرية والانفجارات  الإثنية والقومية  , اتضح معها أن مزاعم الإيديولوجية الرأسمالية بتحقيق دولة ومجتمع الرفاه فاقدة لكل مصداقية.و تعمقت السيطرة الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية للولايات الأمريكية المتحدة وحلفائها في أوربا على مصير العالم . وتعمم قانون وسياسية السوق بدون منازع  . وقد أدى تفاقم هذه السيطرة إلى احتداد مظاهر اللامساواة  والفقر والتطور اللامتكافئ بفعل تكثيف وتوسيع الاستغلال الطبقي عالميا, وبفعل احتكار الدول الرأسمالية العظمى لثروات الاقتصاد العالمي وعوامل التقدم التكنولوجي .
    سيترتب عن هذا الوضع مزيد من إقصاء وتهميش أكثر من نصف البشرية وتعميق الفقر والبطالة لديها مع الزحف المتواتر للعولمة الرأسمالية المتوحشة والتي تأخذ أشكالا وخططا مختلفة من السيطرة : بدءاً من السيطرة الاقتصادية والسياسية وصولاً إلى التدخل  العسكري والاحتلال المباشر ( أفغانستان , العراق , فلسطين ) , مروراً بتهديد دول وشعوب      ( فلسطين , سوريا , إيران , كوريا الشمالية ) وتبرير العداء السافر لها بكونها تنتمي إلى " محور الشر " .
    ولعل أبرز هدف من أهداف  فرض هذه السياسة عالميا  يتمثل في الاستيلاء على منابع النفط والثروات كعامل اقتصادي عالمي استراتيجي , وكذا  إضعاف قدرات الشعوب على التحرر من مختلف مظاهر الغزو والسيطرة الاقتصادية والسياسية التي تنتجها قوانين السوق الرأسمالية .
    لقد أتت  الأحداث التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية في شتنبر2002 , لتشكل مبرر إضافيا للإمبريالية الأمريكية  لتطبيق إستراتيجيتها للسيطرة السياسية وتسويغ عسكرتها  لمناطق من العالم و لإخضاع هيئة الأمم المتحدة والشرعية والقانون الدوليين لهذه الإستراتيجية حتى يمكنها فرض نفسها كقوة وحيدة متحكمة في مصير
العالم ...وكل دلك وسط صخب ضجيجها الدعائي المفضوح عن " حماية حقوق الإنسان" و"إقامة الديمقراطية" تارة، و"محاربة الإرهاب "تارة أخرى!! ولا يخفى كون هذه الإستراتيجية تصوغها وتخطط لها المصالح الحيوية للمؤسسات المالية والشركات المتعددة الجنسية وخصوصا المحتكرة لاقتصاد وتجارة النفط وللتكنولوجيا المتطورة وللمجمع الصناعي الحربي .
      لقد أثبت الصراع الذي خاضته فرنسا وألمانيا كدولتين قويتين في أوربا مع الولايات الأمريكية المتحدة إثر استفراد هذه الأخيرة بقرار غزو العراق وتنفيذه ضعف المعارضة الدولية لاستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية . ولم تستطع هاتان القوتان الأوروبيتان قيادة معارضة دولية ضد قرار غزو العراق وضد بسط أمـريكا لـنفوذها المطـلق في منطـقة الشرق الأوسط وفرض إستراتيجيتها في الصراع الفلسطيــني الصـهـيونـي, و استطــاعت أمريـكا اخـــتـراق الاتحـاد الأوروبــي وكـــسب بعـــض الــدول( بريطانيا وإيطاليا واسبانيا خصوصا ) لفرض منطقها وحربها بالقوة في العراق على العالم وضد الشرعية الدولية  .
     وقد أنتجت سيطرة العولمة الرأسمالية على مصير العالم حركة اجتماعية عالمية واسعة مناهضة لسياسة الولايات الأمريكية المتحدة ومجموعةG8 ( الدول الرأسمالية الأكثر تقدما ) ومناهضة لتدمير البيئة وأخطار انتشار الأسلحة النووية والاستغلال المكثف للمهاجرين وإغراق دول العالم غير النامي بالديون الخ...
غير أن هذه الحركة الاجتماعية المناهضة للنتائج السلبية للعولمة الرأسمالية ظلت آفاق نضالاتها محدودة التأثير على سياسات الدول الرأسمالية الأكثر تقدما نظراً لعدم فتح المجال لنضال عالمي مشترك مع القوى والأحزاب اليسارية المتجددة لإكساب هذا النضال أبعاده الوطنية والشعبية الديمقراطية والحداثية من جهة، وأبعاده العالمية لدمقرطة العلاقات السياسية والاقتصادية عالميا وما يفرضه ذلك من دمقرطة المؤسسات الدولية وإعادة تأسيسها على قواعد التضامن والسلام والتنمية بين الشعوب، وعلى توزيع أكثر عدلا لثروات العالم بين الدول وداخل كل مجتمع. هدا ولأن الوضع هو وضع تاريخي وليس نهاية للتاريخ،فلا خيار آخر للشعوب والبلدان المتضررة من التوسع الرأسمالي المعولم والمتوحش سوى المقاومة.
      ومن المظاهر المطروحة في وجه تحديات العولمة المتوحشة " مشروع " الحركات الإسلامية الشعبوية , غير أن هذه الإجابة لن تستطيع بلورة بديل واقعي وتاريخي لتحديات هذه العولمة ما دام هذا المشروع يقوم على إستراتيجية إلغاء الديمقراطية وحقوق الإنسان , ولأنه كذلك مشروع يتأسس على التعايش مع القوى الكمبرادورية والتكامل معها وقبول الاندماج في اقتصاد العولمة الرأسمالية على أسس اقتصاد كمبرادوري إضافة إلى عدم انسجام جوانب ورؤى هذا المشروع الذي يتسم بالتعدد والتشرذم رغم وحدته الـشكلية الظاهرية .
   لقد تميز الوضع الدولي كذلك خلال العقد الأخير من القرن العشرين بشراسة الهجوم الممنهج على الاشتراكية كبديل لهمجية الوضع القائم ؛ هكذا صورت المبادئ والقيم الاشتراكية كمجرد أحلام إيديولوجية لاحظ لها في التحقق على أرض الواقع. وشوهت تجارب بناء الاشتراكية وتحولت على يد أجهزة الدعاية الرأسمالية إلى مجرد أنظمة كليانية معادية للحرية في كل تجلياتها السياسية والاقتصادية...
ولكن رغم دلك، أثبت واقع الصراع وتطور الأحداث عالميا ،أنه لامجال لأي إصلاح حقيقي في ظل الخضوع لمنطق ونسق الرأسمالي المعولم، وأن التحول الديمقراطي الجدري ،ذا الآفاق الاشتراكية  هو الكفيل بتجاوز مآسي وهمجية النظام الرأسمالي المعولم وبناء نظام اجتماعي بديل ،إنساني حقا وحقيقة.

II - في الوضع العربي

        في ظل هده الشروط ،لاتزداد أوضاع البلاد العربية سوى ترديا وتراجعا ،بعد انهزام القومية العربية في مواجهة القوى والمصالح والأطماع الإمبريالية والكمبرادورية العربية الحاكمة , وانهزام حركة التحرر الوطني في مواجهة التحديات السياسية في  الوطن العربي. و ما يجري في العراق وفلسطين ليس سوى فصل من فصول هذه الهزائم المتوالية لمحاولات  النهضة  العربية رغم كل الآمال التي ساورت  الشعوب العربـية منذ القرن التاسع عـشر مروراً بالثورة الــــناصرية ( 23 يوليوز 1952 ) وانبثاق حركة القوميين العرب وحركة اليسار الجديد الفلسطيني والعربي .
        لقد تجلى تردي الأوضاع العربية في الصمت العربي المريب والعجز المهول الذي سيجت به الأنظمة العربية نفسها وشعوبها أمام هجوم الولايات الأمريكية المتحدة على العراق واستفرادها بالقضية الفلسطينية وفرض مخططاتها في المنطقة . ورغم ذلك لا زال حكام النفط يضعون ثروات المنطقة العربية في خدمة المصالح الأمريكية ومصالح الشركات المتعددة الجنسية . مما عمق عوامل تردي وتخلف المجتمعات وضعف مقاومتها لجميع أشكال السيطرة الأمريكية في المنطقة.
     وظلت الوحدة العربية مطلبا شعبيا راسخا في وعي ووجدان شعوب الأقطار العربية،إلا أن ممارسات الأنظمة العربية،والتي كان بعضها أيضا يرفع شعار الوحدة العربية، كانت تذهب في اتجاه معاكس لهدا الطموح  غالبا وتجرده من كل مضمون سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي…وإذا كانت ممارسات الأنظمة  وحتى برامج بعض القوى السياسية  قد انتهت إلى ما انتهت إليه من إخفاقات وهزائم ،فإن  مشروع الوحدة العربية مايزال مفتوحا، و ملحاحيته التاريخية اليوم أوضح  من كل وقت مضى لاستنهاض قوى الأمة العربية وتجديد تعبئتها  لمواجهة  السياسات والمخططات والأطماع الامبريالية الصهيونية وعجز وانبطاح الأنظمة العربية وانكفاء كل واحد منها  على انشغالاته القطرية الضيقة….
       و رفض الحكام العرب و النخب السياسية المرتبطة بهم الإصلاح السياسي والاجتماعي والديني وفرضوا على الشعوب والمجتمعات العربية وضعا مأساويا ومعاناة تجلت في الفقر ومظاهره وضعف التنمية الاقتصادية  وضعف الحداثة السياسية والاجتماعية و الثقافية رغم ما أفرزه الواقع العربي من نخب مثقفة  ديمقراطية وتقدمية في جميع المجالات والتخصصات . غير أن سمة الاستبداد السائدة في الأنظمة العربية فرضت احتواء بعض النخب وتهميش نخب أخرى وطاقات ديـمقراطية هائلة . وفي نفس الوقت دخلت الدول العربية منطق التسوية مع الكيان الصهيوني  برعاية  الولايات الأمريكية المتحدة،  مما أدى إلى عجز منظمة
التحرير الفلسطينية قبل أن تدخل هي الأخرى إلى مسلسل التسوية بتوقيعها مع إسرائيل اتفاقية غشت 1993 تحت رعاية الولايات الأمريكية المتحدة. وبذلك تم إخراج تسوية القضية الفلسطينية من دواليب وقرارات الأمم المتحدة واستفراد الولايات الأمريكية المتحدة بالوضع في فلسطين والشرق الأوسط . لقد قدمت السياسات العربية تجاه القضية الفلسطينية خدمات كبرى  لإستراتيجية أمريكا في السيطرة عسكريا على المنطقة  بما يحفظ أمن الدولة الصهيونية كمحور لها تلعب دور تسهيل وتأمين هذه السيطرة اقتصادياً وسياسياً من جهة , ومن جهة أخرى مواجهة أي تأثير جيوسياسي لروسيا أو لأوربا أو للصين في المنطقة , ومن جهة ثالثة إضعاف المقاومات المناهضة للسيطرة الأمريكية ومحاولة احتوائها على رأس هذه المقاومات الثورة الفلسطينية .
لذلك فإن المهام المطروحة على اليسار العربي الديمقراطي والاشتراكي جسيمة تكمن في البحث عن بدائل مرحلية تتعاطى مع القضايا والمصالح الراهنة للمجتمعات والشعوب العربية وفقا لرؤية وبرامج عقلانية حداثية تتجاوز الصراعات وتتحدى المصالح الطائفية والمذهبية والقطرية والدينية التي ما زالت تجزئ البلدان العربية   وتساعد على  انبثاق فعل تاريخي نهضوي  جديد حداثي وديمقراطي  .
ومن تم يطرح على اليسار الديمقراطي الاشتراكي العربي الاضطلاع بصياغة مشتركة لهذه المهام ولإنجازها على أسس وتصورات نقدية للبدائل المهزومة والاستراتيجيات الفاشلة.
       أما على صعيد الغرب العربي ،و رغم ما يجمع بلدانه من تاريخ ومصير مشتركين، فإن مشروع بناء المغرب الكبير ما زال معاقا بفعل النزاعات المفتعلة  وتناقض مصالح الحاكمين ونخبهم السياسية والاقتصادية وتنافسهم لاكتساب علاقات اقتصادية وسياسية متميزة مع الاتحاد الأوروبي دون مراعاة للمصالح الاقتصادية والاجتماعية المشتركة وطموحات شعوب بلدان المنطقة في التضامن والتعايش والوحدة وبناء مصير مشترك متكامل اقتصاديا ومتطور ديمقراطيا , لمواجهة تحديات العولمة الرأسمالية والمخطط الأمريكي لجعل مشروع المغرب الكبير داعما ومكملا لإستراتيجيتها في استكمال سيطرتها الاقتصادية والسياسية على منطقة الشرق الأوسط الخزان الاستراتيجي لمصادر الطاقة .
إن الوضع المأزوم لمشروع وحدة المغرب الكبير يطرح على القوى اليسارية الديمقراطية والاشتراكية في المنطقة العمل المشترك وفق برامج ورؤى واضحة تندرج في إستراتيجية مواجهة عوامل إعاقة هذا المشروع وتفتح سيرورة وحدة شعوب ومجتمعات المغرب الكبير لبناء فضاء مغاربي ديمقراطي حداثي قادر على مواجهة تحديات التنمية الشاملة  وتحديات العولمة والارتقاء إلى الإجابة العملية والتاريخية عن أسئلة العصر الذي لم يعد  يقبل بديلا عن التكتل والتجميع والتضامن والتكامل.
وفي هذا السياق سيكون من الضروري اتخاذ كافة المبادرات لتجميع القوى الاشتراكية والديمقراطية في المنطقة والتنسيق بينها لتسهم بأدوارها الفعلية في مسار الوحدة والتقدم والتنمية.

-IIIفي الوضع الوطني

- 1 سيرورة تطور النظام المخزني وآلياته في القمع والاحتواء

خضع المغرب كغيره من العديد من البلدان في إفريقيا وغيرها, لفترة استعمارية مباشرة امتدت أكثر من نصف قرن. وقد أثرت هذه الفترة على مساره وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتطوراتها اللاحقة. ففي حين كان المجتمع المغربي يعيش تمردا وثورات مستمرة ضد تعسفات المخزن في ما كان يعرف ببلاد السيبة , كانت القوى الاستعمارية المتصارعة على ثروات العالم تخطط لاستكمال سيطرتها على مجموع المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا .
فتم تقسيم المغرب بين إسبانيا في الشمال وفرنسا في الجنوب في إطار التوزيع الاستعماري لمناطق النفوذ عبر العالم.
وهكذا تعرض المجتمع المغربي لرجة عنيفة خلخلت بنياته الموروثة والتقليدية , وذلك تحت وطأة الحملات العسكرية والحروب التي قام بها الغزاة الاستعماريون . هذه الحروب التي كانت تزداد شراسة كلما وجدت أمامها مقاومة شديدة خاصة من طرف القبائل وفي المناطق الجبلية.
وبينما كانت حركة المطالبة باستقلال البلاد تتطور وتعم أرجاء البلاد مع بداية الثلاثينات, كانت القوى الاستعمارية المتحالفة, المدججة بأسلحتها وجيوشها وجواسيسها, تستعمل كل الوسائل لتكسير حركة المقاومة المسلحة والسيطرة على الثروات الاقتصادية واختراق جميع مجالات الحياة الاجتماعية للمغاربة.
لقد ورث المغرب عن  العهد الاستعماري نظاما رأسماليا تبعيا هجينا, تحتل فيه الفئات والشرائح التي تلعب دور الوسيط والفئات التي لها صلة وثيقة بالرأسمال الغربي , مواقع أساسية ومؤثرة .
وفي إطار توسع نفوذ هذه الفئات الوسيطة والكمبرادورية, وتحالفها مع الملاكين العقاريين الكبار , وتقوية ارتباطها بالمراكز الامبريالية , واستحواذها على مقاليد السلطة والحكم , واستيلائها على مصادر الثروة والمال , تشكلت وتطورت بنية النظام المخزني القائم المـسيطر على مـغرب ما بـعـد " الاستقلال " .
    وشيئا فشيئا تحول نظام المخزن من نظام السلطان التقليدي المحاط بالأعيان, إلى نظام ملكية مطلقة يحتل فيها الملك منصب رئيس الدولة, والقائد الأعلى للجيش, وباسمه تصدر الأحكام القضائية, بالإضافة إلى كونه أمير المؤمنين وحامي الملة والدين, وضامن وحدة البلاد.
وتعمق الاتجاه نحو الاستبداد والحكم المطلق على خلفية الصراع ضد الحركة الوطنية , وإقصاء أجنحتها الراديكالية وإبعادها عن أية مشاركة في السلطة بل وقمعها قمعا شديدا ومتنوعا .
   وفي خضم هذه التطورات تم إرساء هياكل الدولة الجديدة \ القديمة وتقوية أجهزتها السلطوية والقمعية, خاصة السرية منها, وتخلت أجهزة الدولة والإدارة عن دورها الحيادي تجاه القوى المتصارعة في المجتمع. بل أصبحت عبارة عن مراكز نفوذ تتدخل وتعمل خارج القانون, وتسعى لإفراغ الحياة السياسية من محتواها, وإقامة مؤسسات صورية خاضعة لنزوات المسيطرين على هرم السلطة. لقد أصبحت الدولة أداة قمع , ووسيلة تحكم في الاقتصاد والمجتمع , تخدم مصالح فئة محدودة على حساب أغلبية الشعب. وعلى المستوى السياسي أصبحت تلعب الدور الذي كان من المفروض أن تلعبه القوى والأحزاب السياسية, لكن بشكل تدميري لحرية التعبير, ومخرب لمقومات الديمقراطية السياسية. وهكذا أصبحت الإدارة وأجهزة الأمن والمخابرات مشغولة بقمع المعارضين وصنع الأحزاب الموالية للسلطة وتمييع الحياة السياسية. مرهقة بذلك ميزانيات الدولة ومثقلة كاهلها بنفقات التجهيزات القمعية والتسيير الظرفي الارتجالي والتبذير,على حساب الدور الاجتماعي والتنموي للدولة.
وتعمق الطابع المخزني الطفيلي في الاقتصاد عن طريق تقوية اقتصاد الريع والمضاربات العقارية والشبكات المصلحية المرتبطة بالرشوة والزبونية واختلاس أموال الدولة والاستحواذ على صناديق المؤسسات .
وفي إطار نفس النسق التسلطي المعادي للحرية والديمقراطية, تمت تصفية حركة المقاومة الشعبية وجيش التحرير, وتحجيم الحركة الوطنية وتعميق الهوة بين مكوناتها . وتم توظيف جيش من أعوان السلطة لخنق
المعارضين والرأي الحر والتضييق على المواطنين وعزل البوادي وقمع كل أشكال التعبير والاحتجاج على مستوى المغرب كله , خاصة عن طريق المقدمين والشيوخ والأجهزة البوليسية السرية التي أصبحت تتحكم في حياة المواطنين وتدوس على حقوقهم .
لقد أصبحت الأجهزة القمعية والبوليسية بسلطة قمعية مطلقة ولا تخضع لأية رقابة، مما أدى إلى ارتكاب ممارسات مخلة بالكرامة الإنسانية , وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان . وطغى الوجه البوليسي للنظام وبرزت ممارساته الوحشية في الحملات القمعية الواسعة, وفي الاغتيالات والاختطافات والمحاكمات الصورية . وملء السجون والمعتقلات السرية. وبالمقابل لم تتوقف الحركية النضالية والشعبية الرافضة لهذه الأوضاع المفروضة بقوة الحديد والنار والمناضلة ضدها، والحركات الاحتجاجية والمطلبية وظهور منظمات يسارية وراديكالية من أجل تغيير الأوضاع. 
وقد سجلت انتفاضة مارس 65 منعطفا كبيرا في حركية النضال والاحتجاج الشعبي وتنامي الوعي السياسي, رغم ما واكبها من قمع دموي.
     وتعمقت أزمة النظام مع المحاولتين الانقلابيتين سنتي 1971 و 1972، مما دفعه إلى إعادة النظر في إستراتيجية الحكم السابقة ووضع إستراتيجية جديدة قوامها احتواء الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية وتقريبها من السـلطة, وإعطاءها هامشا من الحياة السياسية عن طريق ما سـمي بالمـسلسل الديمقراطي.
وجاءت قضية الصحراء فحاول النظام استغلال الحس الوطني لبناء إجماع سياسي حوله. واستفادت السلطة من المغربة ومن ارتفاع أثمان بعض المعادن بعد منتصف السبعينات , وذلك من أجل توسيع القاعدة الاجتماعية للطبقات المستفيدة من السلطة . إلا أن التبذير والسياسات اللاشعبية التي عمقها سياسة التقويم الهيكلي المفروضة وسعت الهوة بين فئة قليلة من الاحتكاريين الأثرياء والمتنفدين الذين يستحوذون على خيرات البلاد ومقاليدها وبين غالبية الشعب المحرومة التي تعاني من تزايد الفقر والبؤس والبطالة . الشيء الذي زاد من وثيرة الحركات الاحتجاجية والإضرابات والمظاهرات في السنوات اللاحقة ( سنوات : 91-84-81 ) .
     لقد ظل النظام يعمل من أجل اختراق المجتمع المغربي وضبط توازناته , من خلال سياسة مزدوجة تقوم على القمع والاحتواء. إلا أن ذلك لم يستطع الحد من تفاقم الأزمة التي ظل يتخبط فيها بسبب التناقضات التي تخترقه وخاصة التناقض بين مصالح الطبقات المسيطرة القائمة على الريع والامتيازات غير المشروعة, ومصالح الطبقات الشعبية والفئات المحرومة والمهمشة. كما لم يستطع إيقاف نضال الشعب المغربي المتواصل من أجل الحرية والعيش الكريم.


2 -  دينامـية التغيير في المجتمع المغربي وعوائق البنيات المخزنية


      في ارتباط مع توسع حجم الحركات الاحتجاجية والمطلبية, وتنامي الحركة الحقوقية والنسائية والجمعوية كانت الظرفية الدولية منذ أواخر الثمانينات ضاغطة بدورها في اتجاه التغيير. خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومعسكر أوروبا الشرقية , واحتلال الامبريالية الأمريكية لمركز الصدارة في النظام العالمي الجديد القائم على نظام القطب الرأسمالي المهيمن ( القطب الواحد ).
 كان النظام يتخبط في أزمته المتفاقمة, وكان يسعى بكل الوسائل للخروج منها خاصة مع بروز التيارات الإسلاموية واتساع تأثيرها، وشعر بأن المعطيات الجيوسياسية في المنطقة المغاربية تغيرت, وأن العلاقات مع أوربا تميل نحو أشكال جديدة من الشراكة، وبالتالي فالأدوار المطلوبة من الأنظمة الموالية للغرب, لم تعد كما كان عليه الأمر في ظل نظام القطبين والحرب الباردة.
وقد أكدت أعلى سلطة في البلاد آنذاك أن الأزمة خانقة وأن النظام مهدد، هو ما تم وصفه بخطر السكتة القلبية , التي لم يعد بالإمكان الاستمرار معها في نفس النهج وفي نفس أسلوب الحكم , الذي قاد إلى الطريق المسدود .
   وبالمقابل تم الإعلان عن الكتلة الديمقراطية التي نادت في ميثاقها بإصلاحات أساسية, ورفعت مذكرات مطلبية متوالية للملك منذ سنة 1992  لإحداث الإصلاحات الدستورية والسياسية الضرورية لإرساء الديمقراطية.

    وتنامت الحركات المطلبية والاحتجاجية ومبادرات المجتمع المدني. وظهرت ملامح صحافة مستقلة. وأصبح مطلب التغيير الديمقراطي أكثر انتشارا وملحاحية، ولم يعد بالإمكان تجاهله حتى من طرف القوى المعادية للديمقراطية.
    وأصبح المغرب مفتوحا على عدة احتمالات وسيناريوهات، مما أدخل المجتمع المغربي في دينامية جديدة, غذتها وأنعشتها بعض الإجراءات التي خففت من مظاهر قمع حرية التعبير والمس بحقوق الإنسان, ومنها على الخصوص إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين وإلغاء و تغيير بعض القوانين.
إلا أن رهان التغيير الذي أفرزته معطيات الظرفية الوطنية والدولية منذ منتصف التسعينات على الخصوص, لم تستجب له السلطة والقوى المخزنية بفسح المجال أمام المشاركة الجماهيرية, والعمل على تحقيق المطالب الديمقراطية, بل عملت على احتواء الوضع في إطار ما سمي " سياسة التوافق " التي استجابت لها بعض قوى الصف الوطني الديمقراطي، حيث وافقت هذه القوى على دستور 1996, وتخلت عن روح ميثاق الكتلة الديمقراطية, وقبلت في النهاية المشاركة في الحكومة.
     لقد مكنت " سياسة التوافق السلبي " هاته،في إطار القبول بدستور 1996،النظام  من الحفاظ من خلالها على بنياته الأساسية والمخزنية, وخفف من حدة الضغوط والتناقضات التي كان يواجهها. إن التغييرات التي عرفها المغرب في هذه الفترة ظلت جزئية وظرفية ولم ترق إلى مستوى الحد الأدنى من المطالب الديمقراطية المعلنة آنذاك وعلى الخصوص المطالب المتعلقة بالإصلاحات السياسية والدستورية. وهكذا استطاع النظام احتواء الوضعية والخروج ولو بصفة مؤقتة من الأزمة, دون تقديم تنازلات أساسية فيما يخص الثوابت المخزنية التي ظلت معرقلة وكابحة للتطور الديمقراطي. ولم تكسب الحركة الديمقراطية والجماهيرية إلا بعض الهوامش المحدودة, في حين ظل واقع الحريات والحقوق الديمقراطية على ما هو عليه بين مد وجزر, وبقيت شروط عيش الغالبية العظمى من المواطنين في تدهور, وازدادت حدة الفقر والبطالة.
لقد اصطدمت الدينامية التي عرفها المجتمع المغربي منذ منتصف التسعينات, بجمود البنيات المخزنية وتكلسها ومقاومتها لأي تغيير حقيقي , مما جعل محاولات التغيير والتجديد محدودة الأثر. وقد ساعد على ذلك إلى حد كبير موقف القوى الوطنية والديموقراطية المشاركة في حكومة " التناوب ". فالمغرب, على خلاف ما جرى في بلدان أخرى, لم ينفتح بعد على مسار الإنقاذ والتطور, بقدر ما ظل منحدراً في مسار الأزمة الذي لم تستطع إيقافها الإصلاحات الجزئية والتغييرات الفوقية المحدودة.


3 -  قضايا وحدة التراب الوطني

        دخلت قضية صحرائنا منذ انتهاء الحرب الباردة, وبروز الأحادية القطبية, وما يسمى بالنظام العالمي الجديد, مرحلة جديدة أبرز سماتها الأساسية, تحكم الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مجلس الأمن الدولي في ملف الصحراء, واستعماله للضغط على دول المنطقة وابتزازها بما يخدم  الاستراتيجية الأمريكية الاقتصادية والسياسية بالمنطقة المغاربية وأيضا بما يقوي المخطط الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية ويضعف القوى المناهضة له.
وفي ظل هذه المعطيات الدولية المستجدة, وفي ظل تحديات العولمة المسارعة وما تفرضه على شعوب العالم الثالث من ضرورة توفير شروط الاستقرار والتنمية والتقدم فإن حزب اليسار الاشتراكي  الموحد مقتنع بضرورة إيجاد حل سياسي بتدبير ديمقراطي لملف الصحراء، يقوم على المحاور والأهداف التالية :
-         ضمان السيادة الوطنية ووحدة التراب الوطني.
-         إرساء نظام جهوي يمكن سكان  الصحراء من التدبير الواسع لشؤونهم .
-                   جعل المنطقة المغاربية منطقة للسلم والاستقرار والتكامل والاندماج الاقتصادي.
-                       تُجنيب المنطقة تدخل وابتزاز الولايات المتحدة الأمريكية, وإفشال مشاريعها المتعارضة استراتيجيا مع مصالح شعوب المنطقة والقائمة على البلقنة والتفتيت .
       إن توفير شروط إنجاز هذا الحل السياسي الديمقراطي لملف الصحراء وتدشين مرحلة جديدة للتعاون والتكتل الاقتصادي بالمنطقة يتطلب على المستوى الدولي استثمار التناقضات والمصالح المختلفة بين الولايات

المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي, ويفرض على شعوب المنطقة المغاربية وقواها الديمقراطية ربط جسور الحوار والتواصل والتفاعل الإيجابي خدمة لقضايا الديمقراطية والتنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي .

أما على المستوى الداخلي ،فإن الحزب يرى أن التدبير الأمثل  لهدا الملف الحيوي والاستعداد لمواجهة كل احتمالات المستقبل يتطلب مايلي:
1 ) تقوية اللحمة والوحدة الوطنية وذلك بالقيام بالإصلاحات الكبرى دستوريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا المؤسسة لعملية الانتقال الديمقراطي .
2 ) اعتبار قضية الصحراء, قضية شأن عام, وبالتالي إشراك القوى السياسية في إدارة هذا الملف الحيوي ومتابعة كل مستجداته.
3 ) تحريك وتفعيل الدبلوماسية المغربية, وتقويتها بدبلوماسية شعبية تعمل على إشراك القوى السياسية وفعاليات المجتمع المدني واستثمار علاقاتها وإمكانيات تأثيرها الواسعة.
4 ) الابتعاد عن سياسة ضخ الامتيازات والمصالح على نخب صحراوية فاسدة , والانفتاح على نخب المجتمع المدني الصحراوي وعلى كافة المواطنين الغيورين والعمل على إعادة الاعتبار لقيم المواطنة والمشاركة السياسية .
5 ) تجاوز المنظور الأمني الضيق, والاعتماد على منظور تنموي شامل بإشراك كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين يهدف إلى جعل الصحراء قطبا تنمويا واعدا.
وعلى صعيد آخر،فإن استمرار احتلال اسبانيا لسبتة ومليلية والجزر الجعفرية ومارافق دلك من محاولات إدماج المدينتين في النسيج الاقتصادي والسياسي الاسباني من بطاقة الإقامة وصولا إلى التجنيس النهائي، يطرح على المغرب دولة وقوى سياسية ومجتمعاً مدنياً وضع خطة استراتيجية تهدف استعادة إلى المدينتين والجزر الجعفرية تقوم على المحاور التالية :
* اعتماد سياسة تنموية للأقاليم الشمالية , والتأسيس لأقطاب تنموية جهوية محيطة بالمدينتين للعمل على تغيير الدور الحالي للمدينتين كنقطتين لإغراق لسوق المغربية بالسلع المهربة وما يترتب عن ذلك من نتائج كارثية على الاقتصاد الوطني .
* تثمين علاقات التعاون الاقتصادي , وتطوير علاقات وجسور التواصل والحوار الحضاري بين الشعبين الجارين الإسباني والمغربي وبين القوى الديمقراطية في البلدين والدفع في اتجاه تغليب المصالح الاستراتيجية للشعبين على كل النزعات الاستعمارية البائدة .

4 -  مـفارقـات الوضع الراهــن
 وأســـئلــة المستـــقبل

      إذا كانت الفترة التي عاشها المغرب في ظل "  حكومة التناوب التوافقي " قد طغى عليها خطاب التفاؤل وإعلان النوايا والتعبير عن الرغبة في الإصلاح , فإن النتائج العملية السياسية التي انتهجتها السلطات خلال هذه المدة , ظلت مخالفة لذلك , وغير مستجيبة لمتطلبات التحول في اتجاه المجتمع الديموقراطي بل إن بعض هذه النتائج كان مناقضاً للتطلعات الديمقراطية. فقد أفصحت حكومة " التناوب التوافقي " عن برنامجها ووعدت بعدة إصلاحات، بل أعلنت عن فتح أوراش لتلك الإصلاحات.  لكن مظاهر البطء وعدم التغيير ظلت سائدة في الحياة السياسية وعمل الإدارة وملازمة لعلاقة السلطة بالمواطنين.
وفي حين ظلت أساليب الاشتغال والآليات المخزنية حاضرة ومؤثرة, فإن لوبيات الفساد المالي والإداري والانتخابي احتفظت بمواقعها الأساسية في السلطة والإدارة  وكانت تملي إرادتها ولو بشكل غير معلن , وتنفذ أهدافها أكثر ما تنفذ قرارات الحكومة التي ظلت في غالب الأحيان حبرا على ورق. لقد بقيت حكومة " التناوب التوافقي " عاجزة على مواجهة هذا الوضع , مثلها مثل الحكومات السابقة . وذلك
بحكم محدودية صلاحـيتها وعدم توفـرها عـلى أية سلطة حكومية فعلية , مما جعل تأثيرها ضعيفا , وإمكانياتها شبه منعدمة , وأدى إلى عرقلة خططها وتكسير برامجها وإفراغها من أي محتوى إصلاحي حقيقي . فتعمق
الاختلال وانعدم التوازن , وازداد الوضع تفاقما من خلال الأحداث والتطورات التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة . حيث تميزت الأوضاع بعدة مفارقات من أبرزها التناقض الصارخ بين الخطاب الرسمي الذي ظل يؤكد على الحداثة والديموقراطية , وبين استمرار تحكم البنيات التقليدية والعلاقات المخزنية في دواليب الدولة ومراكز القرار. وفي ظل هذه المفارقات , برزت عدة تناقضات , كما برزت التراجعات التي ميزت السنتين الأخيرتين على الخصوص , من خلال الوقائع والأحداث التالية :
  -1إجراء الانتخابات في ظل القوانين القديمة المطعون فيها , واستمرار أجواء انعدام المصداقية والنزاهة بسبب أساليب التمييع وشراء الأصوات .
  -2الاستمرار في التغاضي على ملفات الفساد الإداري والانتخابي والاختلاسات الكبرى .
 -3عدم إعمال مبدأ المراقبة والمساءلة , خاصة فيما يتعلق بملف الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان , وذلك رغم الحديث عن طي صفحة الماضي .
 -4الالتفاف على مطالب الحركة الجماهيرية وقمع التحركات النقابية والاحتجاجية وتحركات المعطلين .
 -5صعود ملحوظ للتيارات الإسلاموية , واسترجاع اللوبيات المخزنية لأنفاسها .
 -6تململ اليمين المخزني من داخل أجهزة الدولة وخارجها ومقاومته لكل محاولات الإصلاح .
 -7صدور قوانين غير ديموقراطية لا تراعي مبادئ حقوق الإنسان , خاصة قانوني الإرهاب والهجرة
8تصاعد الممارسات القمعية وممارسة التعذيب والمحاكمات غير العادلة, وقمع الصحافة والصحافيين والحركات الاحتجاجية.
 -9اشتغال الصناديق والمؤسسات الموازية للحكومة بشكل يجعلها صناديق ومؤسسات فوق – حكومية
 -10الإعلان عن اتفاقية التبادل الحر وما تخلفه من آثار على بعض القطاعات المنتجة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه من بين مفارقات الوضع بروز مظاهر الانقسامات والصراعات والتناقضات في الأوساط التقدمية والنقابية, ما أدى إلى إرباك الصف الديموقراطي وإضعاف تأثيره في مجرى الأحداث .
وجاءت أحداث 16 ماي  2003 لتعمق من حدة التناقضات والمفارقات في الوضع فبقدر ما كانت هذه الأحداث مؤلمة ومنذرة بنمو العنف المجتمعي, بقدر ما أدت إلى إحداث رجة في المجتمع المغربي الذي وقع تحت تأثير صدمة ظن أنه في مأمن منها . لكن الوجه الآخر لهذه  لأحداث أنها كشفت عن هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب واحتمال تفجره في أية لحظة .

بمناسبة هذه الأحداث تجدد الإحساس بالشرخ السياسي والاجتماعي الذي يعاني منه مجتمعنا الممزق بين قيمه التقليدية وبين قيم الحداثة والحرية ونمط العيش الغربي. ولذلك كان من المفروض أن تتعدد المبادرات من أجل فتح نقاش جدي وواسع حول خلفيات هذه الأحداث , وحول واقع المجتمع المغربي وآفاقه المستقبلية على ضوء ذلك , وبالتالي تخليص المجتمع من حالة التشرذم الثقافي والتمزق الفكري والتربوي التي يعاني منها .
لكن الاهتمام ظل سطحيا, وبقيت المبادرات التي أقدمت عليها بعض المنابر الصحافية والإعلامية محدودة رغم أهميتها . مما يجعل مهمة فتح هذا النقاش لا زالت مطروحة , وهي مسؤولية جميع الفاعلين المهتمين بمستقبل البلاد , وبالتالي فإن على مناضلي اليسار أن يلعبوا دورهم في الدعوة إليها والإلحاح عليها باستمرار.
إذا كانت أحداث 16 ماي مناسبة عبر فيها اليسار الاشتراكي الموحد وباقي القوى المجتمعية  الديمقراطية على التنديد الكامل بها  والرفض المطلق للأساليب المختلفة للإرهاب, فإنها كانت في نفس الآن مناسبة لطرح موضوع الإرهاب والعنف للنقاش في المجتمع , إلا أن الصورة لم توضع كاملة أمام الشعب المغربي ليعرف أن الإرهاب ليس وليد اليوم , وليدرك أن الإرهاب لا ينفصل عن الأسباب المؤدية إليه.
فالعنف المجتمعي تمارسه البنيات المخزنية يوميا على المواطنات والمواطنين , والإرهاب الفكري كان وما زال جزءا من الثقافة المخزنية السائدة , وهي تنتجه وتعيد إنتاجه عن طريق الاستبداد, وبواسطة الأجهزة الإيديولوجية والقمعية للدولة والمنظومة التربوية ومنظومة القيم في المجتمع. وما دامت الثقافة المخزنية وثقافة التعصب الأصولي شريكتين في مناهضة المساواة وحرية التفكير والعقيدة والحق في الاختلاف وحرية التعبير وقيم التسامح, فإن الدولة باعتبارها مسؤولة على المنظومة التربوية ومنظومة القيم السائدة, وعلى وسائل الإعلام السمعية والبصرية, قد عملت بممارستها على ترويج وإشاعة ثقافة الخوف والتعصب. وهذه هي الأجواء التي وفرت الأرضية الخصبة لانتشار التيارات المتطرفة المتسترة وراء الدين. بل أكثر من هذا فالأعمال الإرهابية
مورست في الحرم الجامعي منذ سنوات على مرأى ومسمع من الأجهزة الأمنية, وتم قتل الأبرياء والاعتداء عليهم بموجب فتاوى تجري في الخفاء. كما تم التغاضي على مصادر الأموال المرتبطة بالدعاية الدينية واستقطاب الأتباع وتنقيلهم للتدريب عبر شبكات نذرت نفسها لذلك, وليست أحداث 16 ماي إلا صورة ونتيجة للممارسات التي سبقتها, وبالتالي فإن الدولة والسلطة المخزنية لا يمكنها اليوم أن تتملص من مسؤولية توفير شروط نمو الإرهاب الذي أصاب مجتمعنا , كما أنها لا يمكن أن تكتفي بمواجهته ببعض الإجراءات الرادعة.
وفي الوقع فإن أحداث 16 ماي لم تزد إلا في تعقيد الأوضاع,  خاصة بالنسبة للقوى الديموقراطية التي أصبحت مطالبة بالنضال المزدوج ضد الشروط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتردية المؤدية إلى التهميش واليأس, وضد مظاهر الخوف والإرهاب والتعصب أيا كانت مصادرها.

       لقد أكد حزبنا في مؤتمره التأـسيسي على أن المغرب يعيش تحولا سياسيا محجوزا ناتجا عن استمرار تحكم الثوابت المخزنية المتمثلة في الاستفراد بالحكم وتهميش كل المؤسسات المعنية بتسيير المجتمع . وإن التطورات اللاحقة التي عرفتها بلادنا خلال السنتين الماضيتين بمفارقاتها وتناقضاتها , بما فيها حصيلة حكومة " التناوب التوافقي " التي ظلت تعاني من عجز بنيوي عن القيام بالإصلاحات الضرورية , لم تزد إلا في تأكيد واقع الإعاقة والحجز الذي لا زالت تعيشه بلادنا , وتكرسه البنيات والممارسات المخزنية المفروضة.
 إن الإيجابيات التي تحملها دينامية التجديد والتغيير والنضال التي يعرفها مجتمعنا , يجب أن لا تحجب عن أعيننا وعن أعين الأجيال المقبلة بأن هناك أخطاراً حقيقية ومتعددة تتربص بالمجتمع المغربي ومستقبله . وبالتالي فإن القوى الديموقراطية وقوى اليسار والتحديث مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالحفاظ على وحدة الصف و دينامية التجديد والتغيير الديموقراطي وتعزيز المكتسبات التي حققتها الحركة الجماهيرية, خاصة على المستويات الحقوقية والنسائية والشبابية والجمعوية والنقابية والثقافية. كما أن القوى الديموقراطية واليسارية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتعزيز وحدتها والرفع من الروح النضالية في صفوفها,  ووضع برنامج عمل ونضال يمكن من فتح مسار وصيرورة تغيير حقيقي في اتجاه التحول الديموقراطي المنشود, وذلك عبر تحقيق إصلاحات دستورية وسياسية كفيلة بإخـراج البلاد من الـمأزق السياسي الذي تتخبط فيه, بـسبب هيمنة وتحكم البنيات والثوابت المخزنية المعيقة, التي تستبد بواقعنا.


5- الإصلاحات الدستورية والسياسية

       تأسيسا على منطلقات وتوجهات المؤتمر التأسيسي لحزب اليسار الاشتراكي الموحد , الذي اعتبر أن المهمة المركزية المطروحة على جدول أعمال الشعب المغربي وقواه المناضلة هي الانتقال من الدولة المخزنية ونظام الحكم الفردي المطلق المؤسس على نظام المصالح والامتيازات واقتصاد الريع إلى نظام حكـم ديمـقراطي و دولة ديمقراطية في خدمة المجتمع , تحظى الإصلاحات الدستورية وآلياته بأولوية الاهتمام وصدارة النضال الديمقراطي  .
       لقد كان لإرساء النظام الاستبدادي ذي الجوهر المخزني العتيق , وإعاقة أية إمكانية لبناء حكم ديمقراطي قائم على الرقابة الشعبية وعلى المشاركة السياسية الواعية وعبر وجود حكومة مسؤولة ومحاسبة أمام ممثلين حقيقيين للشعب , وعبر إرساء سلطة قضاء مستقل ونزيه ... , لقد كان كل ذلك السبب الجوهري فيما عرفه المغرب منذ تلك الفترة من قمع واضطهاد , ومن تدهور في أوضاعه العامة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن استشراء منظومة الفساد ونهب الثروات وتدمير القيم . وقد فشلت كل الدعاوى التي حاولت أن تجعل بالإمكان انتقال المغرب
        نحو التنمية , كما فشلت الأوهام التي حاولت تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية دون المس بنظام الاستبداد والحكم الفردي المطلق , كما أكدت تجربة ما سمي بحكومة التناوب التوافقي وبأخطائها القاتلة , استحالة التقدم خطوة في اتجاه التنمية الشاملة دون أن تتوفر الوسائل السياسية والدستورية الضرورية لذلك , ودون إصلاح النظام السياسي وإخراجه من تأخره وإدخاله لروح العصر ومتطلباته .

      لقد دأب اليسار الاشتراكي الموحد ومنذ مؤتمره التأسيسي يؤكد على محورية الإصلاح السياسي الدستوري في سيرورة الانتقال نحو الديمقراطية ويؤكد على حاجة المغرب لتعاقد إيجابي منتج يفضي إلى بلورة وثيقة دستورية تحظى بالقبول من طرف المكونات السياسية الأساسية للأمة, إلا أن الطرف الأساسي في هذه المعادلة لم يعر أي اهتمام لهذا المطلب.
       إن التعاقد الذي يدعو له اليسار الاشتراكي الموحد ينبني أساساً على اعتبار السيادة للشعب يمارسها عبر ممثليه المباشرين, سواء داخل جهازي السلطة التشريعية والتنفيذية أو عبر الهيآت والأحزاب السياسية والمجسدة لكل الحساسيات  الفكرية والثقافية التي تعبر من خلالها الشرائح الاجتماعية المختلفة عن مصالحها... وهذا يقتضي أن يتم التعاقد على أساس الاعتراف الواضح دستوراً بدور الأحزاب السياسية كطرف سياسي أساسي لا يقتصر دوره على تأطير المواطنين وفق منظور الدولة وانطلاقا من إكراهاتها المعلن بل يتسع على ما تمثله الأحزاب حقيقة في الواقع السياسي كمعبر عن مصالح اجتماعية لفئات وشرائح وطبقات لا يمكن أن يستقيم الحديث عن إصلاح سياسي من دونها , فمؤسسة العلاقة بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية ووضع حد لكل أشكال الاستفراد بالقرار في القضايا الاستراتيجية المصيرية للدولة سواء تعلق الأمر بتدبـير الحياة السياسية أو بلورة المخططات الاقتصادية وتحديد الاختيارات الكبرى للدولة في هذا المجال , وكذا ما تعلق بالعلاقات الدولية للمغرب ومواقفه تجاه ما يعتمل داخل الساحة الدولية من صراعات سياسية واقتصادية وثقافية وجيوسياسية .
       إن التعاقد المطروح هو ذلك التعاقد المبني بوضوح على خلفية الديمقراطية وكل ما راكمته التجربة والفكر البشريان في شكل الدولة وعلاقات الحاكمين بالمحكومين , والتي يمكن إجمال معالمه البارزة في مبدأ المواطنة الذي يتنافى كليا مع مفهوم الرعية , وسيادة القانون بين الجميع وعلى الجميع ومبدأ فصل السلط الحقيقي والمؤسسة دستوريا ومبدأ المحاسبة مقابل المسؤولية . و اليسار الاشتراكي الموحد  لا يتصور ضمن هذا المنظور ومن زاوية المصلحة الوطنية إمكانية استمرار النظم العتيقة لكل تجلياتها في تدبير الشأن السياسي , ولا يتصور إمكانيات للانتقال الديمقراطي نحو التحديث بدون إشراك حقيقي لكل الفاعلين السياسيين في تدبير الشؤون السياسية العامة واعتماد الشعب أساسا لكل السلط .


* لذلك يناضل اليسار الاشتراكي الموحد من أجل :

أولا : وضع دستور متعاقد عليه يؤكد ويضمن السيادة للشعب , ويرسخ مبدأ فصل حقيقي للسلط ويحدد صلاحيتها بما فيها صلاحية المؤسسة الملكية , بما يراكم تدريجيا الطابع البرلماني في بنية النظام السياسي , و يجعل سيادة الأمة سيادة كاملة وتامة . إن أساس كل ذلك ينبني على :
1    - قيام حكومة مسؤولة وذات شخصية مستقلة وهو ما يقتضي التنصيص وبوضوح على إلزامية  انبثاق الحكومة من الأغلبية البرلمانية, وعلى وجوب اختيار الوزير الأول من داخل هذه الأغلبية.
2   إعطاء الوزير الأول حق اقتراح الوزراء وإعفائهم من مناصبهم, وحق اقتراح الولاة والعمال وإقالتهم من مناصبهم, وجعل جميع الموظفين الساميين والكتاب العامين للوزارات تحت سلطة الحكومة.
  3  إعطاء المجلس الحكومي هامشا واسعا من السلطة التقريرية, وتقوية صلاحية الوزير الأول بما فيها حقه في رئاسة المجلس الوزاري بالتفويض.
4  -  إعطاء الحكومة صلاحيات تمكنها من تنفيذ برامجها والاضطلاع بتحمل مسؤوليتها والتنصيص على أن الحكومة مسؤولة تضامنيا على تنفيذ سياستها, وعلى أنها تدير السياسة العامة وتمارس الوظيفة التنفيذية والسلطة التنظيمية.
5  إلغاء الغرفة الثانية باعتبارها مجالا لتعطيل وتمطيط الإجراءات التشريعية ومجالا لتبذير المال العام على أن تعوض بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي ذي الاختصاصات المحددة.
6   -  الاعتراف دستوريا بالقضاء كسلطة  على قدم المساواة مع باقي السلط, مع ضمان استقلاله وحياده, وإصلاحه جذريا بما يضمن العدالة والنزاهة.

7   -  بناء دولة الحق والقانون مساواة جميع المواطنين أمام القانون. لذلك من الضروري أن ينص الدستور صراحة على أن الرجل والمرأة متساويان في الحقوق السياسية والمدنية , وان يتم التأكيد على أن الدستور أسمى تعبير على إرادة الأمة وأن الجميع أفرادا وهيآت تخضع لمقتضياته .
8     - مراجعة القانون المنظم للجهة, بما يضمن اعتبارها وحدة ترابية اقتصادية وثقافية واجتماعية مما يؤهلها للقيام بدور تنموي وازن ومراجعة القوانين المنظمة لإحداث الجهات.
    9   -الإقرار الدستوري باللغة الأمازيغية كلغة وطنية ورد الاعتبار للثقافة الأمازيغية كبعد أساسي في الهوية المغربية بما يضمن ويصون الوحدة والهوية الوطنية.


ثـانـيـا : الإقدام على إصلاحات سياسية جذرية وجوهرية تمكن من القضاء على مظاهر ودواليب الفساد وتفسح المجال نحو المبادرات المؤدية إلى التنمية الشاملة , وفي مقدمة هذه الإصلاحات :
   1  -تحديث وزارة الداخلية والنظام الأمني وإعادة هيكلتها وتفكيك الأجهزة القمعية السرية ضمانا وتأكيدا للحريات الأساسية وأمن المواطنين وترسيخا لآليات دولة الحق والقانون.
    2  - رفع وصاية وزارة الداخلية على الجماعات المحلية وتقوية اختصاصاتها ومراجعة القوانين المنظمة لعملها بما يقوي دورها التنموي.
    3 - تطهير دواليب الدولة وإدارتها من بؤر الفساد والمفسدين, ووضع آليات قانونية حازمة لصيانة المال العام ومحاسبة المسؤولين عن النهب والاستحواذ الذي طال هذا المال العام ومراجعة الأجور العليا لكبار الموظفين وإلغاء نظام المصالح والامتيازات.
    4  - تحديث وعقلنة النظام الإداري والتسيير لدواليب الدولة استناداً على التخطيط والمراقبة والمحاسبة والتحفيز, وتشجيع وإشاعة قيم العمل والاستقامة.
5        - إصلاح مجال الإعلام السمعي البصري إصلاحاً حقيقياً وذلك بضمان استقلاليته وجعله تحت إشراف هيأة مستقلة ونزيهة وذات كفاءة عالية.
6        - طي صفحة الماضي المظلم وذلك بالإعلان عن كل حقائق سنوات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان, وخلق آليات للمساءلة والمحاسبة وإبعاد المسؤولين عن تلك المرحلة من مواقع المسؤولية, وتوفير جميع الضمانات السياسية الدستورية والقانونية الكفيلة بحماية الحق في الرأي  والتعبير والتنظيم, وبما يضمن ألا تتكرر وبشكل نهائي تلك الممارسات.
     7   - تحريك ملف استرجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية والكناري وباديس وتنمية المناطق المحيطة بها .
    8     - إيجاد حل سياسي بتدبير ديمقراطي في الصحراء يتجاوز التوثر ويبني الاستقرار  في المنطقة, حل يضمن السيادة الوطنية المغربية ويمكن سكان جهة الصحراء من التدبير الواسع لشؤونهم ويساهم في جعل المنطقة المغاربية فضاء للسلم والتعاون.
  


6 - التحالفات



      إن حزب اليسار الاشتراكي الموحد استنادا على توجهات مؤتمره التأسيسي ينطلق في التعامل مع مسألة التحالفات بناءاً على أن المهمة المركزية المطروحة للإنجاز أمام الشعب المغربي وقواه الحية هي الانتقال من الدولة المخزنية  إلى الدولة الديمقراطية الحداثية دولة الحق والقانون وتوفير كل الشروط الدستورية والسياسية والثقافية  لتحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة.
إن الحزب يحدد هذه المهمة المرحلية في ارتباط بين البعد الديمقراطي الوطني والبعد الاجتماعي وأيضا في تمفصل مع المهام الاستراتيجية المتمثلة في تلمس الطريق لبناء المجتمع الاشتراكي الخالي من كل أشكال الاستغلال والاضطهاد على أنقاض نظام الليبرالية المتوحشة المدمر للقيم وللإنسان وللبيئة الطبيعية .
إن مهمة بناء الديمقراطية تعبر عن مطامح ومصالح الطبقات الشعبية الأساسية من عمال وفلاحين وفئات وسطى وعموم الكادحين والمهمشين و الرأسمال المنتج. من هذا المنطلق فإن كل القوى السياسية التي تنشد الديمقراطية خيارا مجتمعيا استراتيجيا يستهدف التغيير الديمقراطي مطالبة موضوعيا بأن تتحالف و توحد الجهود والمساعي والطاقات لمناهضة القوى المعادية للديمقراطية سواء تعلق الأمر بالقوى المخزنية أو بالقوى المحافظة الرافضة لقيم الديمقراطية والحداثة والداعية للانطواء والانغلاق على الذات .
بناء على هذا التصور واعتبارا  لموقع الحزب الخاص  في الساحة الحزبية الوطنية ,  هذا الموقع الذي يؤهله لفتح جسور الحوار والتواصل والتنسيق والتحالف مع كل  القوى الديمقراطية بمختلف مشاربها ومواقعها و انطلاقا من القواسم المشتركة على قاعدة الاحترام المتبادل, حدد الحزب المسارات التحالفية الثلاثة:



6-1 المسار اليساري :
        اقتناعا من الحزب بأن المغرب الذي يجتاز مرحلة انتقالية مفتوحة على احتمالات عدة هي في حاجة إلى قوة يسارية مؤثرة ومبادرة وقادرة على الارتباط بالجماهير الشعبية والتعبير على مطامحها وأمالها وتأطيرها وقيادة نضالاتها اقتناعاً بذلك عمل الحزب على التواصل والانفتاح على قوي اليسار المعارض . وقد تم تدشين صيرورتين متكاملتين.




أ‌-      سيرورة اندماجية:اليسار الاشتراكي الموحد والوفاء للديمقراطية:

      بنفس الروح والثقافة الوحدوية التي أثمرت تأسيس اليسار الاشتراكي الموحد يستمر الحزب مع الرفاق في جمعية الوفاء للديمقراطية انطلاقا من إرادتهما المشتركة في توفير الشروط لبناء الحزب الاشتراكي المرتبط بالطبقات الشعبية الأساسية والمعبر عن آمالها في الديمقراطية والتنمية والعيش الكريم ,  تم الاتفاق على تدشين مسلسل الاندماج , وسيتم عرض قرار بعقد مؤتمر استثنائي اندماجي خلال سنة 2005 على مؤتمري الحزبين وسيعمل المكونان اليساريان : حزب اليسار الاشتراكي الموحد وجمعية الوفاء للديمقراطية على فتح نقاش حول هذا الموضوع مع أوسع القوى اليسارية والفعاليات المدنية الديمقراطية على اعتبار أن هذا المشروع اليساري التحديثي  يتسع لكل الآراء والاجتهادات والتيارات المؤمنة بنفس الأهداف.

ب-  سيرورة  تحالفية  (تجمع اليسار الديمقراطي ) :


       إننا نطمح من خلال تأسس تجمع اليسار الديمقراطي الذي انبنى على أرضية سياسية وبرنامجية تؤطر معركة الانتقال الديمقراطي على المستوى الدستوري والسياسي والاجتماعي والثقافي , أن تعمل القوى اليسارية على تقوية صفوفها وتوحيد جهودها , وقيامها بخطوات نضالية في مختلف المجالات , تمكنها من الارتباط والتواصل مع مختلف الطبقات والفئات الشعبية , ومن استعادة المبادرة السياسية من أجل التأثير الوازن في مجرى الصراع السياسي ببلادنا وترجيحه لصالح الخيار الديمقراطي , كما نأمل أن يساهم هذا التحالف اليساري في فرض إيقاع جديد للنضال الديمقراطي في بلادنا وفي تقوية الثقة والروابط بين مناضلي المكونات اليسارية الخمسة وفتح النقاش حول القضايا ذات الطبيعة المرحلية أو الاستراتيجية لتوفير الشروط لبناء الحزب الاشتراكي المنشود .


6-2 مسار تحالف قوى الصف الوطني الديمقراطي: الكتلة الديمقراطية

        على الرغم من المواقع المختلفة التي تحتلها من جهة الأحزاب الديمقراطية المشاركة في الحكومة على ضوء توافقات1996 ، وموقع حزبنا المعارض والمطالب بإصلاحات دستورية وسياسية عميقة وحقيقة وعلى الرغم من أن الأحزاب الديمقراطية المشاركة في الحكومة قد عملت على تهميش الكتلة الديمقراطية وتجميد عملها ، ومحاولة تحريف دورها  عن ميثاقها  الأساسي والذي يغطي مرحلة تاريخية بكاملها واختزالها في مجرد تحالف ظرفي داعم للحكومة  ومرتبط بحساباتها والتعويض عنها بما أصبح يسمى( بالأغلبية الحكومية ) التي تجمع فسيفساء من القوى المختلفة بل المتناقضة الأهداف والمصالح فإن الحزب يرى مع ذلك كله أن هاته القوى لم تستنفذ دورها في عملية الانتقال إلى الديمقراطية وتجمعنا معها قواسم مشتركة عدة ونلتقي معها موضوعيا  في هدف إرساء دعائم الديمقراطية الحق وهدف مواجهة وإضعاف القوى المناهضة للديمقراطية .
وانطلاقا من هذا المنظور فإن الحزب عمل وعليه أن يعمل في المستقبل على تطوير العلاقات الحزبية الثنائية مع قوى الصف الوطني والديمقراطي كما أن الحزب ما فتئ يطالب بضرورة تقييم أداء الكتلة بهدف تفعيلها وتحريكها وتوسيعها وانفتاحها على القوى اليسارية والديمقراطية وتجاوز كل السلبيات التي أدت إلى تجميدها وتهميش دورها وذلك حتى نستطيع جميعاً الإسهام الفعلي في استكمال إرساء دعائم دمقرطة الدولة والمجتمع  .

6-3 مسار القطب الديمقراطي الواسع :

       إن الحزب ارتكز في تـحديده لهذا المسار التحالفي على معطي واقعي يتمثل في وجود قوى ديمقراطية لا تنتمي لا للأسرة اليسارية ولا للقوى الديمقراطية التقليدية , و مشروع القطب الديمقراطي هو الفضاء المناسب لبداية التأسيس لتجميع كل القوى الديمقراطية بمختلف مواقعها ومرجعياتها ومشاربها بما يقوي ويعزز ويسند المشروع الديمقراطي ويضعف القوى المناهضة له . وبالرغم من صحة هذا المنظور فإنه من الناحية العملية لم يتمكن  لحد الآن من اجتذاب إلا القليل من القوى والفعاليات وسيكون من اللازم  تفعيل كل المبادرات التي تصب في هذا الاتجاه خدمة لمطمح الدمقرطة الشاملة .


المعيقات وآفاق العمل

      إن واقع حال الوضع  الحزبي الديمقراطي المغربي يحبل بمجموعة من السلبيات تشكل معيقات واقعية للعمل الوحدوي ولتطور المسارات التحالفية ونجمل هاته السلبيات أساسا في :
v      ضعف التشبع بقيم الديمقراطية والعقلانية وإعمالها في الحقل الحزبي   المغربي .
v      سيادة النزعات النرجسية والإقصائية وتضخيم الذات الحزبية .
v      عدم احترام وقبول الاختلاف والنظر للتحالف على أنه تماثل وتطابق .
v      تضخيم النقاط الخلافية على حساب القواسم المشتركة .
v      ضعف ثقافة التواصل الحزبي .
v      القصور في ممارسة النقد الذاتي .
v      تغليب المصالح والنزعات الحزبية الضيقة على حساب المصلحة الديمقراطية. .
v      الارتكان للأوضاع الظرفية بدل استشراف المستقبل والاستعداد اللازم له .
بالرغم من كل هاته المعيقات وغيرها فإن حزب اليسار الاشتراكي وانطلاقا من وعيه العميق بأن الانتقال إلى الديمقراطية يتطلب توحيد كل اليساريين والديمقراطيين سيستمر في بذل كل الجهد من جهة لتوفير شروط النجاح لبناء الحزب الاشتراكي الحاضن لكل الآراء والاجتهادات و من جهة أخرى  من أجل تحريك كل المسارات التحالفية مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحزب ليس وحده من يحدد فشل أو نجاح هذا التحالف أو ذاك  بل إن الأمر رهين أيضا بقناعة وإرادة الشركاء السياسيين الآخرين .
      إن المسارات التحالفية المختلفة والمتعددة ليس فيها ما يدعو إلى التناقض أو الغموض بل هي مسارات متكاملة تعبر عن الاقتناع العميق بضرورة تجميع وتوحيد كل القوى المجتمعية الدافعة في اتجاه الدمقرطة والتحديث والتنمية والتقدم.
  
           إن اليسار الاشتراكي الموحد الذي يعقد آمالا عريضة على مؤتمره الأول ليكون محطة نوعية , وانطلاقة حقيقية لمسار جديد في مشروعه السياسي , حين يقدم مشروع ورقته السياسية , إنما يأمل أن تأخذ نصيبها من التأمل العميق والنقاش الموضوعي من كافة المناضلين داخل الحزب وخارجه سواء ما تعلق بالمنطلقات الفكرية لحزبنا وتحليله للوضع الدولي بكل مستجداته وكذا تحليل الوضع العربي والمغاربي والمتوسطي بكل ملابساته أو ما يتعلق بتحليل الوضع الوطني وآفاق الممارسة السياسية وفي مقدمتها الإصلاحات الدستورية والسياسية الملحة ومسارات التحالفات المختلفة , كل ذلك  إنما يمثل أساساً لمنظور شامل  ومتكامل  يستدعي من الرفاق ومن الحلفاء ومن الديمقراطيين التأمل والتحليل والنقد الموضوعي إسهاماً من الجميع في بناء التصورات المستقبلية التي يمكن أن تفتح آفاق المجتمع الديمقراطي الحداثي المنشود.
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

0 commentaires:

إرسال تعليق

Item Reviewed: الوثيقة السياسية للمؤتمر الثاني لحزب اليسار الاشتراكي الموحد Rating: 5 Reviewed By: Unknown
Scroll to Top