728x90 شفرة ادسنس

الاثنين، 26 مايو 2014

مفهوم الأحزاب السياسية العربية للديمقراطية - ناجي الغزي


المقدمة
تعتبر  الأحزاب  السياسية من المفاهيم السياسية الحديثة ، وهي حجر الزاوية في المبادئ الديمقراطية, وتعدد الأحزاب تعتبر من المظاهر الجوهرية للديمقراطية, وتنتفي الديمقراطية بانتفاء تعدد الأحزاب وإلغائها. وتلعب الأحزاب دورا كبيرا في تقويم السلطة وكشف عيوبها وتقويمها بالاتجاه الصحيح. وقد ارتبط ظهور الأحزاب بظهور المجالس النيابية والتي جاءت كثمرة صراع سياسي بين الملك وبين الكتل البرلمانية والتي تحولت إلى أحزاب سياسية.

ويذهب الكثير من علماء السياسية على تعريف الأحزاب – على إنها تجمع أو اتحاد بين مجموعة من الأفراد  ذات مبادئ وأفكار ومصالح واحدة  حيث يكون لهم أهداف سياسية  معينة يسعون على تحقيقها وللأحزاب الفاعلة والمؤثرة في الجماهير دور مهم وفعال في تثقيف وتوعية وتنوير الجماهير من خلال المحاضرات والندوات والمناقشات لجميع فئات المجتمع  , وتأخذ تلك الأحزاب ايديولوجيات مختلفة حسب توجهها منها إسلامية ويسارية ليبرالية ومنها يمينية متشددة ومنها وسطية معتدلة وتأخذ تلك الأيدلوجيات حسب بيئة المجتمع وطابعه القومي  .

 وتعد تلك الأحزاب كمدارس لتخريج كوادر مدربة وسياسيين متمكنين من إدارة حوارات ونقاشات وإقناع المقابل بمبادئ الحزب وتوجهاته. وتذهب تلك الأحزاب الى أبعد من ذلك في تصدير تلك الأفكار والمبادئ إلى خارج حدودها الإقليمية والوطنية كالفكر الاسلامي كإخوان المسلمين والفكرالماركسي وفكر حزب البعث, وبعض الأحزاب الإسلامية الطموحة الأخرى كالدعوة وحزب الله.

 ولكل حزب برامجه  العملية وطروحاته التثقيفية الواضحة والمتميزة عن غيره حيث تطرح تلك البرامج من خلال  قنوات إعلامية كالصحف  والمجلات وقنوات تلفزيونية خاصة بالحزب  حيث تعتبر تلك البرامج بمثابة آراء  وأفكار تمد المجتمع بها وكذلك تسلط الضوء على مساوئ قرارات وسلوك النظام السياسي الحاكم  اتجاه المجتمع وتطرح حلول لتك المشاكل التي تخنق المجتمع عبر أيدلوجيتها وفلسفتها التي تريد استقطاب الجماهير حولها .

 وقد تتخذ بعض الأحزاب الديمقراطية أسلوبا وممارسة في عملها الحزبي وتطبيق نظامها الداخلي كممارسة حقيقية وذاتية لتداول الأدوار والمناصب داخل الحزب الواحد دون احتكار السلطة والقيادة بمجموعة معينة من الأشخاص. والديمقراطية هي الصيغة العملية لإقامة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ، وفي ظل تلك الديمقراطية  تنمو مواهب الأفراد وطاقاتهم وتنتعش قدرتهم على الإبداع وهذه هي مقومات التقدم والنجاح .

 وتعتبر الانتخابات من أدوات الديمقراطية الهامة التي تحقق توازن في منظومة العمل السياسي في المجتمع وكذلك تفرز تلك الانتخابات الكتل والأحزاب الفائزة, التي تستلم السلطة وتدير الحكومة وتسيطر على البرلمان بأغلبية. أو أحزاب تكون خارج السلطة لتقف في صف المعارضة فتلعب دور المراقبة والمحاسبة على الحزب أو الأحزاب التي تشكل  الحكومة.  وعلى الأحزاب في جميع المواقع أن تكون ملزمة بقواعد النظام الديمقراطي  ومبادئه التي ينص عليها دستور البلد, الذي يحمي ويصون ويضمن تلك المبادئ  !!
 والحديث عن الأنظمة السياسية عامة والعربية الحاكمة خاصة فهي أنظمة بعيدة عن مفهوم الديمقراطية كمفهوم وممارسة, لانها أغلبها جاءت للسلطة عبر انقلابات عسكرية. هيمنت من خلالها  شخصيات عسكرية أو مدنية دكتاتورية حديدية على تلك الأحزاب, وقد جعلت تلك الاحزاب مبادئ الوطنية والديمقراطية سلم للوصول الى السلطة,  وبالتالي هي نسفت كل المبادئ المزعومة في شعاراتها, وقد استطاع  الحكام الفرديين فرض أنفسهم على أطار النظم السياسية وإظهار الديمقراطية المنشودة في صور سلبية متعددة من خلال سلوك دموي شاذ تبنته تلك الأحزاب الحاكمة أتجاه خصومها من خلال:
أولا - الاقصاء الفكري لخصومهم السياسيين من أحزاب ومنظمات سياسية أخرى.
ثانيا - الأقصاء الجسدي لمعظم السياسيين وزج البعض من القيادات  في السجون وتشتيت الآخرين في المنافي.  

 وهناك أمثلة كثيرة على هذا السلوك الدموي الذي مارسته الانظمة الدكتاتورية في العراق وسوريا وليبيا والسودان واليمن ومصر واليمن وتونس والجزائر,  فقد تسممت الحياة السياسية وغابت الديمقراطية وحقوق الإنسان والرأئ الآخر, وقد ضاقت حلقة السلطة الحاكمة شيئا فشيئا حتى بدأت تلك الأنظمة بتصفية رفاق الدرب وأصحاب الفكر من المنظرين في صفوف الأحزاب, مما أصبحت السلطة حكرا على العشيرة والعائلة , حيث أصبح وجود الحزب لا معنى له حيث مسخت أفكار الحزب  ونسفت مبادئه , واستبدل القلم بالبندقية و الرائ بالزنزانة. وتلك الممارسات أدت الى تشضي بعض الأحزاب التي تسلقت عليها الدكتاتورية مما أصبح الحزب يختزل بشخص الحاكم والقائد فهو يمثل كل المبادئ والقيم.

 ما جعل أحزاب المعارضة تبحث عن موطأ قدم لها في المنافي والبلدان تمارس تنظيماتها ولقاءاتها بشكل سري وحذر معتمدة على تمويلها الذاتي الذي لا يحقق الطموح الأدنى للعمل السياسي. وقد تقلصت الديمقراطية في الوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين بعد انهيار الأنظمة الملكية, وبروز حكام فرديين انقلابيين تغلب عليهم روح المغامرة والعنف ..

 وفي الجانب الآخر من الوطن العربي توجد أنظمة ملكية ومشايخ تتوارث الحكم عبر أسرة حاكمة تملك البلاد والعباد وتصادر حريات ومقدرات شعوبها دون الاكتراث إلى ابسط مقومات الحقوق البشرية من مبادئ وقيم وحريات, وقد أستخف هؤلاء الحكام في المنظومة العربية السياسية ومبادئ الديمقراطية وقد اعتبرها البعض ذريعة لتمزيق الأمة  وتشرذم  وحدة الصف الوطني كما حدث في مصر في حقبة جمال عبد الناصر حيث وقع الاخوان في فخ المطاردة في تحالفاتهم مع عبد الناصر بتحريم الأحزاب ومطاردة الشخصيات السياسية آنذاك  فقد أصبحت الديمقراطية في البلدان العربية مجرد شكلية لا دور لها ولا طعم ولا رائحة ولم تؤثر في حياة المجتمع و الأفراد .

الفصل الأول

المبحث الاول:
موقف الأحزاب العربية من الديمقراطية

لقد كانت الديمقراطية من بين الأهداف المعلنة لكل الثورات العربية التي جاءت بقادتها للحكم  وفي هذا الفصل نأخذ ثورة 23 يوليو 1952, في مصر نموذج لهذا الطرح المعلن والمزعوم  حيث استخدم شعار "الديمقراطية  السليمة "  شعارها الامثل والذي تضمن على وعدين أعلنت الثورة التزامها بتحقيقيهما.
الأول- تطبيق الديمقراطية التي تتناقض مع الاستبداد.
والثاني- أن تكون مطهرة من أوجه النقد الموجه إلى ديمقراطية ما قبل الثورة.
ولكن الوعدين لم يرتقى إلى المستوى الفكري أو التطبيقي , ورغم إن ثورة 23 يوليو جاءت كحاجة اجتماعية ضرورية لتغيير النظام الملكي الفاسد, إلا إنها لم تلبي طموح المواطن العربي كنظام بديل يحمل رؤية فكرية وعملية لنظرية الديمقراطية السليمة
 وهذا ما اقر به الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يوم 25 تشرين الثاني 1961.

وذلك يعود السبب إلى أن الثورة جاءت بتنظيم وتدبير مجموعة من الضباط وليس بتدبير حزب يحمل أفكار ورؤى سياسية وأيدلوجية واضحة إضافة إلى أن الثورة لا تسمح بوجود أحزاب أخرى ولا تؤمن بالممارسة الديمقراطية لشعوبها ,والدليل أصدرت يوم 8 كانون الثاني/ يناير 1953 مرسوما يحظر قيام الأحزاب مطلقا.

 وبهذا جاءت الثورة قاصرة فكريا وتنظيميا لأي ممارسة موضوعية ترقى للتطور الاجتماعي فهي غير قادرة على  تحديد شكل ومضمون الديمقراطية التي رفعتها شعار لها لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الاجتماعي !! مما أدى إلى تصادم كبير بين السلطة والقوى السياسية العقائدية والمثقفين استمر سنين طويلة .وحتى  هيئة التحرير والاتحاد القومي لم يحرروا  الفلاحين والعمال من التبعية السياسية للأقوى اقتصاديا (الملاك) , وكذلك لم يحققا لهما الحد الأدنى من  الممارسة الديمقراطية .وهذا ما أدت إلى تصادم العمال مع الدولة في  (حوادث كفر الدوار) . وفي شباط/ فبراير 1958 ...

وقد أعلنت الوحدة بين مصر وسورية تحت اسم " الجمهورية العربية المتحدة ". وقد كانت الوحدة تهدف" لحركة قومية ديمقراطية " ولكن في تلك التجربة افتقدت الثورة المفهوم الصحيح للديمقراطية  فتخبطت وتناقضت إلى أن فشلت في تطبيق الوحدة. فقد حققت الوحدة على المستوى الدستوري فقط, وليس على مستوى المؤسسات السياسية والاقتصادية الأخرى. أما على مستوى الجماهير لم تقدم الثورة إلى الوحدة إلا الاتحاد القومي وإلغاء الأحزاب !!

 وحتى في صعود المد القومي لم تكن هناك أي علاقات ديمقراطية بين الجماهير والقيادة في إطار الدولة الجديدة . وقد أدرك الرئيس جمال عبد الناصر أن غياب مفهوم الديمقراطية هو نقطة الضعف الأساسية في الثورة وفي الوحدة العربية وهي التي مكنت الانفصاليين من ضرب الوحدة وليس القرارات الاقتصادية التي صدرت في تموز/ يوليو 1961.

ورغم الوصية الطوباوية التي تركها عبد الناصر إلى الأجيال القادمة إلا أن الرجل يعترف بان الإنجاز الذي حققته الثورة ربما سيكون فورة وتنتهي, وقد اعترف بخطأ الثورة وافتقارها لأي نظرية في لقاءه مع قادة حزب البعث في مباحثات "الوحدة الثلاثية " منتقدا "حزب البعث"  مشيدا بخلو الحزب من أي نظرية تذكر!  وان ثورة يوليو خلقت نظرية لها في التجربة  ورغم ما طرح في ميثاق يونيو/1962 من نظريات وليس ممارسة وتطبيق لما يعني إلا أن الرجل ترك الباب مفتوح للأجيال القادمة في تحديد الفكر والتطبيق وان لا يفرض جيله على الأجيال الأخرى. ورغم إشارته للديمقراطية عام 1960 واعتبر أن بين الاشتراكية والديمقراطية اتصال عضوي حيث اعتبر أن الاشتراكية هي ديمقراطية الاقتصاد والديمقراطية هي سياسة الاشتراكية, وان الديمقراطية ليس لها مفهوم ثابت بل هي ممارسة يستحقها الشعب وينتزعها من قبل حكامه المستبدين وربما كان الرجل محق في هذه الناحية , ولكنه ظلم الشعب العربي بقوله هذا !!!

 وكأنه يريد القول بان الشعب العربي لا يستحق هذا المفهوم ولم يتبلور في تفكيره معنى الديمقراطية متناسيا أن الديمقراطية نظاما دستوريا يبدأ من إيمان النظام الحاكم بتداول السلطة مرورا بمواد الدستور والإيمان باستقلالية السلطات الثلاث, وقد بقيت مظاهر احتكار ممارسة السلطة قائمة في الوطن العربي وهي ما خلفتها الثورة الناصرية في مصر وانعكست ملامحها الفكرية والعملية على جميع أقطار الوطن العربي .

ورغم إن "الناصرية" أصبحت حركة فكرية يعتنقها الكثير من الشعب العربي في الوطن العربي  معتبرين أنها تراث  وتجربة غنية إلا أن هذه التجربة لم تحافظ على ابسط مكاسبها النظرية التي حسبها الميثاق بأنها الجناح الثاني للديمقراطية التي لا تسمح بتطبيقها في زمن عبد الناصر !!  وبالتالي هي مجرد حبرا على ورق لأنها بنيت تلك النظريات والمفاهيم على أسس خاطئة و غير مبدئية , حيث اخطأ الميثاق نفسه بحق الطبقات العاملة وتصنيف المهن والشرائح في المجتمع على أساس طبقي وهذا مما ساعد على تفتيت الوحدة الوطنية , ومحاربة راس المال الوطني واتهامه بالرأسمالية الوطنية ....

 وبعد مرحلة عبد الناصر حدثت تغيرات في الوطن العربي, ففي مصر "اتفاقية كامب ديفيد" " وعدم الانحياز" وقد أفرغت الديمقراطية من محتواها الحقيقي من خلال المفهوم الذي ساد في صفوف التنظيمات الحزبية التي تسلمت زمام الحكم في الأنظمة العربية. لأن كل حزب يسعى إلى أن يكون حزبا وحيدا، ويقوم بعملية  تصفية الأحزاب الأخرى. لأن مفهوم تعدد الأحزاب غير وارد في أجندة الاحزاب.

 فقد ظل الحكم الفردي المستبد سائداً في الدولة العربية منذ تأسيس الدول العربية الحديثة ،منذ أوائل العشرينات  القرن الماضي ولحد الآن. لأن الأنظمة الحاكمة لم تتوصل إلى آلية للتداول السلمي للسلطة. حيث ساهمت الأنظمة الاستبدادية بغياب الوعي السياسي وتغييب للقوى السياسية الجديدة القادرة على إنجاح التجربة الديمقراطية في الوطن العربي.

 وقد وجدت في الجانب الآخر أحزاب هزيلة تنظيمياً وفقيرة فكرياً, لم تستطع تلك القوى من تحقيق تغييرات سياسية واجتماعية حقيقية في البلدان العربية .. . وقد حل الجيش محل  الحزب الأكثر حداثة وتنظيماً. وصار بمثابة مؤسسة سياسية غير معلنة تمارس السلطة والسطوة معا, حيث اعتاد العسكر بعد نجاح الانقلاب في ذياع البيان الأول, والذي من خلاله يتحقق الانتصار المحسوم بقوة السلاح, وإلغاء كل مظاهر المدنية من أحزاب ونقابات وصحف وإصدار قوانين طوارئ وقوانين عرفية ونصب المشانق لخصومهم .

 وبعد السيطرة على سدة الحكم  استطاعت تلك الأنظمة الحاكمة من تحديث الاستبداد بوسائل قمعية متعددة كأجهزة الأمن ونشر أيديولوجيتها  الفكرية الشمولية وتحولها إلى شعبوية تقود إلى عبادة الفرد.. !! ورغم بعض الأنظمة التي تدعي إنها تطبق الديمقراطية البرلمانية من خلال إشراك بعض الأحزاب للمشاركة بهدف أن لاتصل مشاركتها ومساهمتها إلى الوصول للسلطة , إلا إن هدفها من إشراك تلك الأحزاب هو مجرد ديكور مظهري للديمقراطية, لان في احتكار السلطة وعدم الإيمان بتداولها تتكسر كل مفاهيم الديمقراطية على صخرتها, وهذا السلوك الدكتاتوري الذي تمارسه الأحزاب الحاكمة هو دليل على إن الأنظمة العربية لا تؤمن بحركة المجتمع وتطوره .

 والمجتمع الذي يخلو من الأحزاب, هو مجتمع ميت تنعدم فيه الحركة والحراك السياسي معاً, لكون الأحزاب السياسية هي التي تعطي الشرعية الحقيقية للنظام السياسي الحاكم لأنها بالتأكيد ستصل للسلطة عن طريق صناديق الانتخابات, والأحزاب السياسة كإحدى مؤسسات المجتمع المدني وهي حالة متقدمة في تطور المجتمعات، وان أي مجتمع يريد النهوض والتقدم في مفهوم الديمقراطية  لا بد وان يسعى إلى خلق تنوع في وجهات النظر السياسية ، وذلك من خلال إتاحة الفرصة للمواطنين لاختيار ما يناسب ميولهم الفكرية واتجاهاتهم العقائدية  ، للمساهمة في تنمية وتطوير المجتمع بالأسلوب الديمقراطي السلمي ,
 وأن أي ديمقراطية يراد لها العيش والاستمرار لابد لها من الاهتمام بمؤسسات المجتمع المدني  التي تعتبر من مقومات الديمقراطية .

 المبحث الثاني :
موقف الأحزاب الحاكمة
بعد جلاء الاستعمار من ألأراضي العربية في الربع الأول والنصف الأول من القرن المنصرم  عاشت بعض البلدان فترة خصبة من الحياة السياسية الدستورية، سيطرت فيها بدايةً أحزاب وطنية، مختلفة التوجهات ثم تراجعت مع غيرها من الأحزاب الناشئة الوطنية منها والقومية والليبرالية والاشتراكية والأحزاب الإسلامية. ومن ثم انتهت الحياة السياسية و الديمقراطية في اغلب البلدان العربية مع وصول الأحزاب القومية ذات الصبغة الدكتاتورية الواحدة إلى سدة الحكم معتمدة على منهج إقصاء وتصفية خصومها السياسية جسديا قبل تصفيتهم سياسيا, وقد انقسمت المعارضة السياسية حسب أيدلوجياتها إلى إسلامية ويسارية .

وموقف بعض الأحزاب الحاكمة في الوطن العربي من الديمقراطية, التي تدعي أنها تطبق الديمقراطية على مستوى البرلمانات الشعبية البرلمانية ما هي الا جزء من ممارسة الضحك على عقول شعوبها, بسماحها باليسر البسيط  للأحزاب السياسية الأخرى وممارسة دورالمشاركة في أروقة البرلمانات دون الوصول الى سلطة القرار لغرض إضفاء حالة من الديكور والتخفيف من الاحتقان الشعبي  كالاردن والمغرب ومصر.

 ولكنها لا تهدف بتلك المشاركة إلى إفساح المجال أمام الأحزاب المشاركة للوصول إلى السلطة من خلال المفهوم الصحيح للتبادل السلمي للسلطة بين القوى السياسية ،لان الإيمان بهذا المبدأ الجوهري مفقود من حلقاتها السياسية.  وان التشبث بالسلطة عظيم وغاية كبرى في أيديولوجياتها, وهذا يتنافى مع ابسط معايير وحدة القياس لمفهوم الديمقراطية, مما تضطر اغلب الأحزاب إلى العمل السياسي السري من اجل إنتاج حالة مناهضة للحزب الحاكم أو النظام المتسلط, أوقد  تختار تلك الأحزاب المنافي وتتخذ من أعداء تلك الدولة ملاذ لها أو تهاجر إلى دول أوربية أكثر ديمقراطية تؤمن بممارسة العمل السياسي على أراضيها .
 وان العمل الحزبي يشكل حالة حراك وإصلاح على كل الأصعدة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية )  في المجتمع, أكثر من غيره ويساهم في رفع الوعي السياسي والثقافي وبالتالي تنمية الفرد والمجتمع, لان الإصلاحات هي من صميم عمل الأحزاب والقوى السياسية والمنظمات الجماهيرية, والسياسات المزمنة للكثير من الأنظمة العربية تسعى للترويج ضد الأحزاب الأخرى المناوئة لها ولتوجهاتها واتهامها بالضعف لكي تعزف الناس عن الانتماء إليها والتشكيك بقدراتها .

 ويحاول صناع القرار في خلق عقبات تخل بدستور البلاد وتعرقل العمل السياسي لدى الكثير من الأحزاب السياسية الأخرى, من خلال إصدار أحكام عرفية وإعلان حالة الطوارئ للكثير من الدول العربية لسنوات طويلة وعدم إقرار قانون للصحافة وقانون الاحزاب. وتلك الديمقراطية العرجاء والمشوهة التي تتباهى بها اغلب الأنظمة العربية أو الأحزاب الحاكمة ما هي إلا فقاعة فارغة تتهاوى بشكل سريع, في حين أصبحت الديمقراطية مطلب شعبي وجماهيري ضروري جدا لنيل حرية التعبير والممارسة في المجتمع .

وعلى الأحزاب الحاكمة أن تؤمن بالديمقراطية وان تذهب جاهدتا لتطبيقها من خلال إزالة العراقيل والمسببات التي تحول دون ممارسة الأحزاب الأخرى دورها السياسي في المجتمع . حيث نجد الكثير من الأنظمة الحاكمة والتي تمثل بدورها أحزاب سياسية , تمارس ديمقراطية الديكور فهي محكومة بأجهزة مخابراتية قمعية , فلا يمكن لأي ممارسة سياسية تقوم في البلد دون موافقة تلك السلطات. وان الانفراج البسيط في بعض الدول العربية نحو تطلعات الشارع السياسي وتلبية طموحاته هي لا تمثل الحد الأدنى من الحقوق السياسية للشعب وللعملية السياسية لان تلك الممارسات تدور في فلك بعيد عن سدة الحكم .


المبحث الثالث:
موقف أحزاب المعارضة

إن وقوف القوى السياسية والأحزاب المعارضة مسافة بعيدة عن الحزب الحاكم  وخلق هوة بينها وبين الحزب الحاكم دليل على الاختلاف الكبير التي تتمتع بها تلك الأحزاب  مع النظام الحاكم  أو الحزب الحاكم , ووقوف الكثير منها بمسافة واحدة من النظام الحاكم  هو دليل آخر على الضعف الذي تعاني منه تلك الأحزاب والقوى السياسية  في منظومتها الفكرية والشعبية , وهذا يعود لأسباب متنوعة منها داخلية تتمثل في خلايا التنظيمات وعدم إيمانها بالديمقراطية داخل منظومتها الحزبية , وثانيا - إيمانها بقيادة الزعامات السياسية وهذا ظهر جليا ليس في اطر الأحزاب الإسلامية فحسب , بل حتى الأحزاب العلمانية أو التي تدعي الليبرالية .

وعلى الرغم من مطالبة تلك الأحزاب  بمفهوم الديمقراطية التي تمثل العدل والمساواة وتوزيع الثروات توزيع عادل على أبناء المجتمع ,  وبما أن الأحزاب المعارضة تمثل نبض الشارع الوطني باعتبارها الوصية على مقدراته والمعارضة لتوجهات النظام الحاكم , إلا أنها تعاني من الخلافات والانشقاقات الداخلية بسبب ممارستها التعسفية لمفهوم الديمقراطية داخل الحزب , من خلال سيطرة مجموعة من الرموز أو القياديين على هرم قيادة الحزب وجعل طوق أو حزام امني يصعب اختراقه من قبل القواعد الأخرى ,  وهذا مما يجعل الأمل مفقود في تجدد الدماء الشابة والواعدة , وللوصول إلى سدة القيادة في تلك الأحزاب .

وهذا مما يجعل الأحزاب تكهل وتتعكز على رموزها وطروحاتها  القديمة غير آبهة بكل مظاهر التجديد , وهذا مما يجعلها تفقد قواعدها الجماهيرية في الشارع وانشقاق البعض عن صفوفها . وهناك أحزاب معارضة دينية بنيت على أسس تقليدية جامدة لا تؤمن أصلا بمبدأ الديمقراطي كمنهج أو مفهوم  , فقد قامت على زعامات دينية أو طائفية  أو قبلية  أو مناطقية أو أثنية  تحمل بين طياتها روح التفرد والإقصاء لمكونات الشعب الأخرى نافية بذلك روح العمل الديمقراطي . كما أنها تعتمد في العادة على قيادات تاريخية أو زعامات اجتماعية ودينية دون أن تمارس الديمقراطية داخلها .

 وان غياب الديمقراطية في اغلب صفوف أحزاب المعارضة العربية  جاءت نتيجة غياب عامل التثقيف بين كوادر الحزب وعدم الإيمان بالتعددية الفكرية والسياسية وهذا ما أثبتته الكثير من التجارب في صفوف المعارضة بأنها لا تستطيع التعايش والتوافق فيما بينها ضمن جبهة واحدة وهذا من ابرز عوامل الضعف الذي تمتاز به المعارضة حيث أصبحت هذا التناحر والتنافر ظاهرة سياسية تستمر باستمرار الإهمال والجهل والتجاهل لمفهوم أسس مفهوم الديمقراطية  حيث أن غياب الديمقراطية  تدل على النضوج الغير متكامل لعقلية القوى السياسية والتشوه الفكري الذي تعيشه كيانات الأحزاب . وكذلك غياب الديمقراطية في الدولة (النظام الحاكم ) من ناحية وفي المجتمع من ناحية أخرى ساعد على تصدع مفهوم الديمقراطية في المنظومة السياسية للأحزاب العربية المعارضة .


الفصل الثاني:

المبحث الاول:
دور الأحزاب العربية في البناء الديمقراطي

إن بناء الديمقراطية في أي مجتمع يطلب أولا-  اكتساب المجتمع صفة الديمقراطية : وإن صفة الديمقراطية تكتسبها الأحزاب من خلال إيمانها بمبادئ  الديمقراطية  وكما تكتسبها الدولة عندما يطبق نظام حكم ديمقراطي فيها . وان أي نظام حكم ديمقراطي يتطلب وجود منظومة كاملة من المبادئ العامة ومؤسسات حكومية ومدنية  تضبط عملية ممارسة النظام الديمقراطي وتؤمن  بتداول السلطة دوريا، وتؤكد على ألزام الأطراف المشاركة في العملية السياسية باحترام قرارات وفقرات الدستور الضامن لحماية العملية السياسية الديمقراطية في البلد.

وان دور الأحزاب في البناء الديمقراطي يتطلب فهم كامل لمفهوم الديمقراطية داخل الأحزاب وفق معيار موضوعي لكي تكتسب تلك الأحزاب صفة الديمقراطية , وذلك من اجل إبراز دورها في عملية بناء الديمقراطية في المجتمعات العربية, وباعتبار أن الحزب هو اقرب منظومة جماهيرية للمواطن وهو الحاضنة لتطلعاته المستقبلية إذا كان الحزب يتسع الكثير من مكونات المجتمع دون النظر إلى انتماءاته الدينية والمذهبية والقومية حزب يضمن ممارسة الديمقراطية بين  صفوفه وداخل الدولة .

وان قيام ديمقراطية داخل المجتمعات العربية يتطلب إلى فهم حقيقي من قبل الأنظمة الحاكمة للأحزاب السياسية ودورها في ممارسة العملية السياسية الديمقراطية في المجتمع , وعليها أن تصحح مفاهيمها المغلوطة اتجاه قوانينها التعسفية التي تحول دون ممارسة الأحزاب حقها في العمل السياسي وتسعى لرفع قوانين الحظر والطوارئ عن كل الممارسات السياسية , وان تعدل من دساتيرها لتفسح المجال أمام التنافس السياسي على سلم السلطة في الدولة , لان لا يمكن لأي حزب أن يمارس دوره في  البناء الديمقراطي وهو مقيد بقوانين ضاغطة أو محجمة  بأنظمة إقطاعية  أو ملكية أو أنظمة دكتاتورية , وبهذا يستحيل ممارسة دورها في البناء الديمقراطي .

والعمل باتجاه البناء الديمقراطي من قبل الأحزاب داخل السلطة  والأحزاب خارج السلطة أن تتولد لديها قناعات بإمكانية تطبيق مفهوم الديمقراطية ونمو  تلك القناعات إضافة إلى ترسيخها في النفوس قبل النصوص  تدريجيا بشكل مقبول حتى تصبح ممارسة فعلية لعمل الديمقراطية , وذلك بتدعيم وتفعيل منظمات المجتمع المدني نحو ممارسة الديمقراطية بأسلوب شفاف ومصداقية عالية تمنح الآخر ثقة كبيرة في الرأئ ألمتأن المطروح  للمواطن من خلال حشد المزيد من البرامج التثقيفية التي ترقي بفكر المجتمع نحو ممارسة الديمقراطية والأيمان المطلق بمبادئها المعلنة والمعروفة , وهنا يمكن للأحزاب أن تلعب دور بارز ومهم في البناء الديمقراطي للمجتمع من خلال توعية الجماهير والنزول إلى الشارع السياسي من خلال برامج سياسية واجتماعية تدعم توجه المجتمع نحو المزيد من الديمقراطية.

المبحث الثاني:
الدور الايجابي للأحزاب التي تؤمن بالمنهج الديمقراطي

تقوم الأحزاب السياسية بوظائف جوهرية في المجتمع السياسي وتعتبر قناة ربط بين الحكومة والجماهير من اجل حل المشكلات و التناقضات الاجتماعية من خلال طرحها للكثير من الأمور الهامة تحت قبة البرلمان , وان الأحزاب التي تؤمن بالديمقراطية  بعد البدء في إصلاح بنيتها السياسية الديمقراطية وتقبل الأنظمة السياسية الحاكمة تلك الممارسات الديمقراطية في ظل أجواء تؤهل المجتمع للتحول الديمقراطي , فتأخذ تلك الأحزاب دورها في رفع مستوى الوعي السياسي لدى المواطن  باعتبار الأحزاب السياسية تمثل الأعمدة الرئيسية في صرح الديمقراطية.
وإن الدور الايجابي للأحزاب التي تؤمن بالمنهج الديمقراطي - يعتمد على حجم وعمق مؤهلاتها السياسية الذي يتمثل باتساع عضويتها وتزايد قدرتها في إدماج المزيد من الجماهير في إطارها السياسي فعلا وواقعا وأيمانا وليس مجرد التحشيد والسعي من اجل الحصول على أصواتهم  , وعلى  تلك الأحزاب أن تمارس دورها الديمقراطي في صفوف تنظيماتها الحزبية وبالتالي تحتاج تلك الممارسات إلى واقع عملي ملموس ومشاركة حقيقية من قبل الدولة إضافة إلى الديمقراطية النسبية التي تؤمن بها داخل صفوفها والتي تعد مدخلا ضروريا لتنمية الديمقراطية في البلدان العربية والارتقاء بها إلى مستوى تطلعات الجماهير العربية .

والأحزاب التي تؤمن بالديمقراطية يتطلب عليها أن تطبق الأسس المعتمدة في البناء الديمقراطي لتنظيماتها بعيدة عن الانتماءات الشخصية أو القبلية أو الطائفية , كما يجب أن تكون التنظيمات ملتزمة في تحقيق التوازن بين حقوق العضو و واجباته وعدم إجبار العضو على تنفيذ الالتزامات في غياب الحقوق بحيث لا يضع العضو في خانة العبيد ويحط من كرامته الإنسانية ولا يجوز انصياع العضو في الحزب انصياع أعمى لقرارات الحزب , لان ذلك يعني حرمانه من حقه الطبيعي في حرية الرأئ التي تعد أولى أسس الديمقراطية , وكذلك التزام الحزب بمبدأ حقوق الإنسان وتقديم كرامته وتطبيق مبدأ الانتخابات على أساس الاقتراع العام السري لاختيار كافة مستويات قيادات الحزب  دون أن تحتكر المواقع القيادية للحزب .

والأحزاب التي تطمح أن توسع قاعدتها الجماهيرية وتحافظ على أعضاءها وعلى وحدة صفها الداخلي , فعليها أن تؤمن بتعدد الاتجاهات والآراء داخل الحزب في إطار الفكر الواحد لتحاشي عوامل الانشقاق في وحدة الحزب وإبراز وحدة الحزب للجماهير  لكي تسهل عملية تعبئة الجماهير باتجاه ذلك الحزب, ومن اجل توسيع دائرة الخلق والإبداع الفكري لابد وان تطرح البرامج السياسية للحزب إلى النقاش والتنظير من قبل أعضاء الحزب وضمان حرية المناقشة وتجنب الاتهامات والنعوت والتشكيك والابتعاد عن  ممارسة الإرهاب الفكري والجسدي للاتجاهات المعارضة. كما يجب عليها أن تؤمن بالتعددية السياسية في البلد وتتعامل معها بشكل ديمقراطي متكافئ يؤمن بوجود الآخرين والتلاقي عند أهداف سامية عليا تخدم مصلحة البلد والمجتمع , وان القبول بالتعددية أمر طبيعي  لتأكيد الممارسة الديمقراطية في جو ديمقراطي سياسي.

وعلى الأحزاب السياسية أن تعزز دورها الايجابي بحجم مسؤوليتها الوطنية ورعايتها للمصالح العامة إضافة إلى عملها الدءوب  من اجل إرساء الممارسة الديمقراطية والارتقاء بها .وكما ان  حاجة الحزب إلى المزيد من الممارسة الديمقراطية وتأهيل كوادره بالاتجاه الديمقراطي ,فان الدولة  تحتاج إلى المزيد من الإصلاح الديمقراطية على قاعدة الديمقراطية والارتقاء بشعوبها من خلال الممارسة الواقعية للديمقراطية  ولكي تعبر الدولة ومؤسساتها بسلام من حقبتها السياسية الراهنة ومن نظام  آحادي شمولي  إلى نظام ديمقراطي  , تحتاج الأحزاب إلى الالتزام القانوني بخيارات المطلب الجماهيري  المتمثل بالنظام الدستوري للبلد , ولكي يكونوا أفراد المجتمع والجماعات احد مصادر الشراكة في تعاقد العملية السياسية الجديدة , لذا يلزم الجميع التقييد بالقرارات التي تصون العملية الديمقراطية في البلد.

المبحث الثالث :
تعزيز الوعي الديمقراطي
بما أن الديمقراطية هي أسلوب وممارسة لحرية الفرد الفكرية والتعبيرية والمادية  حيث تشمل جميع اطر الحياة العامة , حيث إنها تحتوي على  مجموعة من الأسس والضوابط الذاتية والموضوعية وعلى أفراد المجتمع قبل الخوض في مضمارها لابد من وعيها والأيمان بها وتطبيقها لكي تصبح حالة طبيعية  في السلوك والتصرف اليومي.
ولكي تأخذ الأحزاب دورها في تعزز الوعي الديمقراطي في المجتمع لابد وان تجد صيغة علمية وعملية لإقامة توازن بين مصلحة الفرد والمجتمع , بحيث لا تطغى احدهما على الآخر , وفي ظل تلك  الظروف يمكن لأي مجتمع أن ينتعش ويبدع ويتطور.
والديمقراطية تصورها بعض الأنظمة الحاكمة بصور سلبية تؤدي بالمجتمع إلى التناحر والتنافر المستمر بين الأحزاب والقوى السياسية من اجل الصراع على السلطة , وهذا مما يؤدي إلى تمزق وانقسام المجتمع وبالتالي هدر الطاقات الوطنية وحلول الفوضى محل النظام وهذا منظور ومفهوم خاطئ يراد به تثبيت الأنظمة الحاكمة زمام سلطتها اكبر وقت ممكن في حكم الشعب واحتكار السلطة .

وان تعزيز مفهوم الديمقراطية وإصلاح الخلل في حالتها المرضية التي تعيشها داخل المجتمعات العربية . لابد وان تشخص حالة الخلل الحاصل في مفهوم الديمقراطية وتوضيح الأسباب التي تحول دون تطبيقها  ,ووضع حلول ناجعة لتطبيقها وتقبلها من قبل الفرد , وهذا يأتي من خلال  خلق حالة حوارات موضوعية  وتفاعلات  بين الفرد والمجتمع , ضمن أسلوب ديمقراطي ناضج يتبنى الآراء والمواقف الصائبة وطرح تلك الأفكار ضمن ممارسة عملية تؤدي إلى التعاطي مع هذا المفهوم بشكل طبيعي.

وان الإسراع في تعزيز حالة الوعي الديمقراطي لابد للأحزاب الحاكمة أن تتخلص من الشعارات التي تبرر وجودها في السلطة من اجل المزيد من السيطرة على مقدرات المجتمع ومصادرة حرياته العامة , وان تتخلى عن لغة العنف وتؤمن مناخ سياسي واجتماعي لتفاعل الحراك السياسي فيه , لكي يكون للديمقراطية معنى وشكل وذات تأثير حقيقي  في حياة المجتمع والأفراد , وان تزييف الديمقراطية وإفراغها من محتواها ومضمونها الجوهري مع الإبقاء على الشكل الهلامي لها ( كشعارات ) تسوق للاستهلاك  اليومي سيجعل وجودها عبثا وتداولها  تسويفا لا معنى له .

وان العمل الجاد في اتجاه تعزيز الوعي الديمقراطي لابد على الأحزاب والقوى السياسية قبولهم الواعي والطوعي لمبدأ الديمقراطي  المتمثل  بإيمانهم بالتعددية الفكرية والسياسية  مضمونا وأسلوبا, و أن أسلوب الحوار الديمقراطي بين الفرد والمجتمع من تلك القنوات السياسية والثقافية هو ألصله الحقيقية والعميقة بجوهر الديمقراطية ، وهذا الأسلوب ضروري جدا  لتحقيق الترابط بين مضمون الديمقراطية وبين أسلوب ممارستها , لما له من تأثير على مسار الحركة الشعبية في المجتمع ونضالها باتجاه النمو التقدم ,وان تنمية وتعزيز الوعي الديمقراطي هو يعني تعزيز الوعي السياسي وبالتالي يقوي هذا الوعي المناعة ضد أي ظاهرة تسلطية تذهب  بالمجتمع إلى مغامرات فردية  جديدة .

المبحث الرابع:
تعزيز التحولات الديمقراطية
إن عملية تعزيز  التحولات الديمقراطية  تحتاج إلى نقلة نوعية  من النظم التسلطية الغير ديمقراطية  إلي النظم التعددية الأكثر ديمقراطية , هذا التحول يكلف الشعوب العربية الكثير من التضحيات ويحمل الأحزاب والقوى السياسية مسؤولية الإيمان المطلق بقبول الآخر والتعدد الأفكار والآراء السياسية في المجتمع . وهذا يتطلب تغيير شامل وكامل في بنية المجتمع السياسية ابتداء من الدستور والجنوح إلى الاختيار الشعبي الحقيقي من خلال نزوله إلى الشارع وإدلاء بصوته عبر صناديق الاقتراع وضمن منافسة سياسية شريفة تضع مصلحة البلد أسمى من مصلحة الحزب الضيقة , وعلى الأحزاب السياسية إن تتخلى عن ثقافة الإقصاء , والتحولات الديمقراطية تمر عبر مراحل زمنية عملية وعلمية مكللة بإصلاح كامل لمؤسسات الدولة وضبط سلطة الدولة وتنمية توجهات النظام السياسي الحاكم  .
وذلك من خلال تهيئة مناخ سياسي تقام فيه عملية التحول الديمقراطي بسلام وهذا يتطلب إعادة هيكلية المجتمع وتنمية قواه المستقلة عن الدولة , وهذه المهمة تتطلب وجود منظمات المجتمع المدني متطورة بالتعاون بينها وبين الحكومة تخرج المجتمع من مرحلة  الركود والإهمال في ظل الأنظمة التسلطية إلى النظام الديمقراطي  وحل الصراعات المتعلقة دون الوصول إلى اتفاق موحد ضمن سياسة بينها وبين بقية أحزاب المعارضة , وذلك عن طريق توعية المجتمع لمرحلة التحول وإنضاج أفكاره السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون أن تترك عملية التحول أي أعمال عنف  وهذا يأتي من خلال برامجها التثقيفية .

وان عملية تعزيز التحولات تتطلب المزيد من الإجراءات والأفعال الفكرية والميدانية ومن أهمها هو الاعتراف بالتعددية السياسية , والاعتراف بالأحزاب المعارضة وإشاعة حرية الرأئ والتعبير في الكثير من الأمور والقضايا السياسية والاجتماعية التي كانت ممنوعة .وتصاحبها إصلاحات حقيقية في مجالات حقوق الإنسان من خلال إطلاق سراح السجناء السياسيين وأصحاب الرأئ والاعتراف بتلك الشخصيات السياسية وبكياناتها المنظمة .

ومن بين العوامل المهمة والمؤثرة في عملية التحول الديمقراطي  هو عوامل إقليمية حيث نجد إن هناك الكثير من الدول الإقليمية لها تأثير مباشر في أي تحول ديمقراطي في احد دولها المجاورة وإيمان تلك الدول بعملية التحول إضافة إلى التجاذبات السياسية التي تقوم بها تلك الدول اتجاه القوى السياسية اللاعبة في العملية السياسية , لان التحول ربما ينعكس سلبا على الأنظمة الحاكمة الإقليمية إذا كانت تمارس الأحادية في الحكم, أو ربما تؤثر إيجابا بحلول مشاكلها المتعلقة كمعالجة الأقليات العرقية في ظل الدولة , فأن تدخلها وتأثيرها وارد وواقعي ويؤثر تأثيرا جادا في عملية التحول الديمقراطي في البلد.
وهناك العامل الخارجي أو الدولي والذي تمثله  مجموعة من المؤسسات والهيئات العالمية التي تدعم التحول الديمقراطي وتلك المؤسسات العالمية ترعى وتدعم المجتمعات نحو التحول الديمقراطي وهناك العديد من تلك المؤسسات (كالبنك الدولي ) الذي يدعم المجتمعات التي تريد التحول الديمقراطي, والولايات المتحدة الأمريكية من أولويات سياستها الخارجية  دعم الدول التي تذهب لهذا التوجه لما تراه يتماشى مع مصالحها , وقد تهدد بقية الدول التي لا تتوجه لهذا التحول من خلال قطع المساعدات عنها باعتبارها كمحرك أساسي للنظام العالمي الحالي وقائد إلى مسيرة التحول الديمقراطي .

المبحث الخامس:
الدور السلبي للأحزاب التي لا تؤمن بالديمقراطية

بلا شك إن الأحزاب التي لا تؤمن بالديمقراطية لا يكون لها أي دور سوى الدور السلبي الذي يعكس الوجهة الحقيقي للديمقراطية المزعومة في مبادئهم  وشعاراتهم , والديمقراطية التي اعتمدت من قبل تلك الأحزاب , أدت  إلى التناحر المستمر بين القوى السياسية المتنافسة على العملية السياسية والتي جلبت الفوضى للمجتمع والانقسام والتمزق وهدر الطاقات العامة وانتشار المزيد من التخلف .

 وفي ظل تلك المفاهيم المغلوطة تحاول الأنظمة والأحزاب الحاكمة أن تروج لديمقراطيتها المزعومة  عبر قنواتها الإعلامية لتخدع الجماهير بها , من خلال رفع شعارات زائفة لا تمس للواقع  ولا لمبادئ الديمقراطية بأي صلة سوى ثرثرة كلامية تثقل مسامع الجماهير , وهي أما أن تمجد الزعيم المستبد أو تمجد حزبه النضالي ودوره في تحقيق آمال الشعب .

 والدكتاتوريات التي وجدت في الأمة العربية ما هي إلا جريمة أراد بها قتل الديمقراطية واقتلاع جذورها من خلال الممارسات اللانسانية التي  استباحة العديد من الحقوق الإنسانية من حرية الرأئ والتعبير والتجمع . لان تلك المفردات هي من اسس الديمقراطية وان التعامل بها  سوف  تكشف الخطأ والصواب وتنضج الآراء والمواقف المغايرة للحزب والقائد  والنظام الحاكم , وان تراجع أو اختفاء الديمقراطية في اغلب البلدان العربية  تعود إلى ذرائع ومبررات لا معنى لها - -  كحماية امن الوطن , والرغبة بالتنمية السريعة للمجتمع وتطويره.

والمحافظة على شرعية الحكم والاستمرار به لمواجهة الأخطار الخارجية , وذلك من خلال افتعال النظام الحاكم للكثير من الحروب الخارجية والداخلية , لتوجه أنظار الجماهير إلى تلك الحروب وانشغالهم في الدفاع عن الوطن من خلال تعبئة الشعب ورفع الروح الحماسية لديه بواسطة  الأعلام الموجه للمجتمع , وانشغال الكثير من الشباب الثائر في  الحرب من خلال استدعاءهم  لأداء الخدمة العسكرية .

وهنا تأتي مصادرة الحرية احد أساليب بسط السيطرة والنفوذ وعدم تقليب الرأئ العام المحلي والعالمي ضد النظام الحاكم . وهذه السياسة هي (سياسة الإقصاء) التي قامت بها تلك الأحزاب التي لا تؤمن بالديمقراطية , والتي أدت بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى صناعة الحكام الفرديين الدكتاتوريين الذين أصبحوا يشكلون خطرا كبيرا على الحزب ومبادئه وكوادره ..

وقد عانت الكثير من الأحزاب من الممارسات الفردية في صفوفها مما أدى إلى خروج الكثيرين من كوادر  تلك الأحزاب وانشقاقهم عنه ومعارضتهم لكل سلوكيات أفراد قياداته .  وساهمت كذلك في تعزيز الانقلابات السياسية والعسكرية وتركزها بيد حلقة خاصة تربطها علاقات وثيقة ساهم في خلق هؤلاء الحكام  الفرديين  الذين تغلب عليهم شهوة السطوة قبل السلطة وحب المغامرة والعنف قبل التفاهم وقبول الآخر .

وهؤلاء القادة – أي قادة تلك الأحزاب لا يؤمنون إطلاقا بمبادئ الديمقراطية وأسسها وأساليبها  . وقد ساعدت حاشية القائد ومنظري حزبه ,  من زرع الوهم في عقله  بأنه القائد الأوحد والأكفأ  لخدمة الشعب وان كل قراراته صائبة والنقاش بها هو خروج على الطاعة , وان العناية الإلهية أرسلته لهذا المكان فالتفريط بها أصبح خارج الإرادة البشرية . وان الذي حدث ويحدث في الإطار السياسي للمجتمع العربي كله هو مسؤولية جميع القوى السياسية , وهذا يأتي من عدم إيمان الأحزاب السياسية بمبدأ الديمقراطية وبمفهومها السياسي والإنساني وعدم إيمانها بمبدأ التنافس السياسي والتعدد الفكري والتعايش ضمن إطار المجتمع الواحد .

وتلك السلوكيات مهدت الطريق لوصول الأحزاب الأحادية للسلطة أما عن طريق الانقلابات أو احتكار السلطة . وكذلك الدور السلبي الذي ساهمت به تلك الأحزاب هو قتل الديمقراطية واقتلاعها من جذورها في عالمنا العربي  و تهميش وإقصاء كل أنواع التعددية الفكرية والسياسية مما أدى إلى تجفيف الحياة السياسية من أي منابع للديمقراطية, مما انعكس سلبا على مكونات المجتمع ودفع الكثير من الشباب العربي إلى صرف النظر عن الالتحاق في العمل السياسي والتفكير الجاد في المشاركة الفعلية السياسية, نتيجة الممارسات التعسفية التي مورست ضد خصومهم السياسيين , من خلال حكم الشعب بقوة النار والحديد مما أدى إلى تهميش العقل العربي وقتل روح الخلق والإبداع والتفاعل في  المجتمع.

وهذه السياسة - "سياسة الخوف الإقصاء"  دفعت  المجتمع نحو المزيد من العنف والقسوة , حيث  أصبحت ظاهرة متفشية في جسد الأمة العربية , فقد مورست تلك الظواهر في البيت والمدرسة والشارع والمؤسسة مما جعل عامل الخوف مسيطر على نفوس وعقول أفراد الشعب العربي , وقد اعتبرت الكثير من مؤسسات الدولة مصدر خوف وقلق وهي التي حري بها أن تكون عامل أمان للفرد في المجتمع . وهذه الظواهر وتلك الممارسات التي قامت بها الكثير من أحزاب الوطن العربي أدى إلى تراجع الأمة وتخلفها عن ركب التطور العالمي وهذا يتحمله صناع القرارات السياسية في البلد من أحزاب وقوى سياسية وأنظمة حاكمة.

الخاتمة
أن المجتمعات التي تطمح للوصول إلى أرقى أنظمة الحكم السياسي لا يمكن أن تحقق ذلك أبدا بغياب الديمقراطية والتي تعني القبول بالطرف الآخر فكراً ورأياً ووجودا كمكون آخر على ارض الواقع بكل تفاصيله . والأحزاب السياسية العربية التي تؤمن بالديمقراطية والتي تنوي العمل بمبدأ الديمقراطية يجب أن تقوم بدعوة إصلاح سياسي في بنيتها السياسية الداخلية وتعدل من لوائح نظامها الداخلي وان تؤمن بالتعددية السياسية وبالآراء والاتجاهات في منظومة أحزابها , قبل البدء في انتقاد الأنظمة السياسية الحاكمة التي تعيش في ظلها , وهنا ليس المعني حزب معين أو تنظيم معين بل يشمل كل الأحزاب الإسلامية واليسارية والعلمانية والليبرالية وعليها أن تتخلص من مفهومها الخاطئ  القديم لقيادة الزعامة التقليدية القبلية و الدينية والسياسية , وان تؤمن بالانتخابات والاقتراع السري والتنافس على المناصب القيادية  للحزب وان لا تحتكر تلك المناصب على شخصية واحدة أو حلقة معينة .

وعلى تلك الأحزاب قبل إصلاح ذاتها أن تسارع لدراسة تجربتها وتاريخها وتركيبتها السياسية وربما تكون الكثير من الأنظمة الحاكمة أفضل من بعض الأحزاب السياسية في سياستها الداخلية . وان اغلب تلك الأحزاب شاخت وتعكزت على مفاهيم قديمة متحجرة وان زعاماتها السياسيين لا يزالون متمسكون بمقاعدهم القيادية دون الإيمان بوجود طاقات شابة وعقول نيرة تستطيع أن تقدم الحزب إلى مستوى متقدم في البلد أو تثري مسيرته السياسية بأفكارهم وطروحاتهم .

وأما البرامج السياسية والاقتصادية أن وجدت في تلك الأحزاب فإنها برامج جامدة ومحنطة تعود إلى نظريات قديمة متآكلة  دون أن تحمل أي تأثير في تغيير الواقع السياسية للبلد . وان اغلب أعضاء تلك الأحزاب لا تجاوزون الحلقة الواحدة ولا يتمتعون بأي شعبية على ارض الواقع سوى وجودهم في الصحافة والإعلام  والمناسبات .

واغلب الأحزاب لا تستطيع أن تحقق الحد الأدنى من التكتل داخل البرلمانات العربية لكي تستطيع سحب الثقة من أي حكومة لان وجودها لا يناسب مقاعدها البرلمانية بسبب فقدانها لشعبيتها في الشارع وذلك يعود إلى غياب الديمقراطية في صفوفها وعدم إيمان الجماهير بمبادئها الطوباوية التي تريد بها كسب الأصوات فقط , والكثير من هذه الأحزاب لا تريد الاعتراف بفشلها السياسي لذا نلاحظ تعرض الكثير من الأحزاب إلى التشظي والانشقاق والتآكل عبر الزمن .

وبعض الأحزاب التي اتاحت لها الفرصة تسلم السلطة في بلدانها كبديل للأنظمة الدكتاتورية الحاكمة حولوا دولهم إلى جحيم, وقد فشلوا في إعطاء نموذج الحكم المستقر الذي يحترم الإنسان على أساس المواطنة, والكثير منها أصبح يشكل كارثة حقيقة على أهله ووطنه, والسبب الرئيس يعود إلى عدم احترامهم إلى مبادئهم التي أسنوها والنظريات التي تبنوها و ما هي إلا هراء وفوضى كلامية وتلك الأحزاب هي أحزاب سلطة وكراسي, وليست أحزاب سياسية تغير من واقع المجتمعات. وان ممارساتها اليومية لا تمس بصلة إلى شعاراتها وأهدافها التي ترفعها لتوهم الجماهير بها.
وعليها أن تغير من مساراتها الداخلية وان تطور وتحسن من ممارسات في حالة تسلمها زمام السلطة , وان استمرار  تلك الأحزاب  بأساليبها  المتحجرة وقياداتها المترهلة لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية في عالمنا العربي أطلاقا.
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

0 commentaires:

إرسال تعليق

Item Reviewed: مفهوم الأحزاب السياسية العربية للديمقراطية - ناجي الغزي Rating: 5 Reviewed By: Unknown
Scroll to Top